دعم الموسوعة:
Menu

معجم المقالات الحسینیة الجزء الأول:

 

رحلة الألف کتاب تبدأ بمقال

 

تعد محاولة قراءة أفکار الآخر أو عرض الأفکار علیه متعة إنسانیة یشوبها شیء من التدخل فی الخصوصیات طوعا أو کرها، فالإنسان بطبعه اجتماعی، واجتماعیته تفرض علیه أن یعرف ما یجول فی خواطر الآخرین للتفاعل معها أو اتخاذ المواقف الخاصة إزاءها، وفی بعض الأحیان یشعر المرء أنه بحاجة إلى عرض أفکاره على الآخرین لحاجة ذاتیة أو رغبة فی إفهامهم بما یرغب إعلامهم به أو بتعبیر أدق تثقیفهم على أفکار یؤمن بها.

وهذا الفن نوع من أنواع الحوار الذاتی والتحاور مع الآخر، فمن جانب یحاور ذاته لیخرج خبایاها بإعمال العقل والمشاعر معاً تجاه قضیة أو موضوع، ومن جانب ثانی یحاور الآخر بصورة غیر مباشرة من خلال دفع الآخر إلى قراءة أفکاره بخصوص الموضوع أو القضیة التی یعرضها ویترک له خیار التفکیر بما یعرضه، وحتى لو لم یفکر القارئ بما قرأ فإن الموضوع یأخذ حیزاً فی مساحة عقله ووجدانه ربما ظهرت على فلتات لسانه بشکل تلقائی أو عبر ممارسة عملیة غیر مقصودة.

ومثال هذا الفن فی عالم التحاور هو "فن المقالة"، صحیح أن الکاتب یخط وغیره یقرأ، لکن القراءة بحد ذاتها تنطوی على محاورة خفیة تظهر فی الردود التی تتلقاها الصحیفة أو المجلة أو الکاتب مباشرة من وسائل الاتصال الحدیثة، وبخاصة فی مقالات الأعمدة الیومیة أو الأسبوعیة التی یحرص کاتبها على مخاطبة الآخر بشکل عام من خلال تناول الموضوعات الیومیة التی لها علاقة مباشرة بحیاة الناس، والکثیر من المقالات الیومیة إنما یستوحیها کاتب العمود من رسائل القراء، فالرسائل من حیث یعلم مرسلها أو لا یعلم تعتبر مادة الکاتب، لأن الرسالة فیها من الموضوعات ما تعتبر قضایا محوریة تستحث الکاتب على الخوض فیها بما ألهمه الله من قوة الیراع، وهذا هو الحوار غیر المباشر بین القارئ والکاتب الذی ینطوی على تثقیف مباشر بأفکار الکاتب أو ربما بأفکار صاحب الرسالة، من هنا نجد بعض الکتاب ومن باب الأمانة العلمیة یشیر إلى صاحب الفکرة الذی أوحى إلیه الکتابة، کما نجد ذلک فی بعض البرامج الدرامیة التی تعرضها الشاشة الصغیرة حیث یشار إلى صاحب الفکرة وکثیر منهم لا یجید الکتابة الدرامیة ولکن الفکرة المستوحاة من الواقع تجد لها کاتبا (سیناریست) یحولها إلى عمل درامی.

والکتابة فی موضوع واحد وإن تعدد الکتَّاب واختلفت جنسیاتهم ولغاتهم فإنها وبشکل عام تستنفذ الأغراض کافة، ولکن هناک موضوعات قلیلة وهی قلیلة جداً هی محور کتابة متجددة لأقلام متجددة فی کل عصر ومصر، ولعل واحدة من هذه الموضوعات على ندرتها وقلتها هی "النهضة الحسینیة" وواقعة الطف، فمنذ عام 61 للهجرة وحتى یومنا هذا وجد الکتاب وقبلهم الشعراء مادة یکتبون فیها وعنها، ولذلک فهناک ما لا یحصى من المقالات التی تحدث کتابها عن النهضة الحسینیة وشهادة الإمام الحسین بن علی (ع) فی کربلاء المقدسة على مر التاریخ وفی کل الأقطار، وهذه الإستمراریة فی واقعها جزء من دیمومة الرسالة الحسینیة الإصلاحیة التی تنشدها الإنسانیة لإصلاح واقعها فی کل عصر ومصر، وهی تعبیر عن رسالة الحیاة القائمة على الصراع بین قوى الخیر والشر، وهی ثنائیة تلازم الإنسان حتى مماته.

من هنا یأتی الجزء الأول من کتاب "معجم المقالات الحسینیة" لمؤلفها البحاثة الدکتور الشیخ محمد صادق الکرباسی، وهذا الکتاب الذی صدر عن المرکز الحسینی للدراسات بلندن حدیثا (2010 م) فی 508 صفحات من القطع الوزیری هو باکورة باب لدائرة المعارف الحسینیة من ستین باباً من نحو ستمائة مجلد، صدر منها حتى الیوم 63 مجلداً.

• أدب المقالة

لیست المقالة علماً لکنها بالتأکید أدب وفن وأسلوب فی التعبیر عن الذات وعن الآخر، ولذلک فهی قریبة من مشاعر الناس قبل عقولهم، تستظهر مکنونات الکاتب وتعبر فی الوقت ذاته عن واقع الأمة، ولذلک فإن تعریفها یختلف قلیلا أو کثیراً من أدیب لآخر وبخاصة مع تعدد الأغراض والموضوعات التی تعرضها المقالة، فالأدیب البریطانی آرثر کریستوفر بنسون (Arthur Christopher Benson) (1862- 1925 م) الذی طبع 70 مجلدا من مقالاته، یرىفی مقالة له بعنوان (فن المقالة) (The Art of the Essayist) أن المقالة عبارة عن: (إحساس شخصی أو أثر فی النفس أحدثه شیء غریب أو جمیل أو مثیر للإهتمام أو شائق أو یبعث الفکاهة والتسلیة). ولذلک فمواصفات کاتب المقالة عنده هو: (الشخص الذی ینقل تعابیر الحیاة وینقدها بأسلوب خاص به وفق معطیات کما یراها من زاویته)، وهذا التفسیر یأخذ الجانب الشخصی للکاتب بوصفه مراقباً لواقع الحال أو محللاً لواقع سابق یربطه مع الواقع الحالی مستشرفا للمستقبل.

ویرى الأدیب البریطانی هنری بوکلی جارلتون (Henry Buckley Charlton) (1890- 1961 م) الذی اختص بأدب الشاعر البریطانی شکسبیر أن: (المقالة فی صمیمها قصیدة وجدانیة سیقت نثرا لتتسع لما لا یتسع له الشعر المنظوم).

فیما یعرفها الأدیب الفلسطینی محمد یوسف نجم (1925- 2009 م) صاحب کتاب "فن المقالة" بأنها: (قطعة نثریة محدودة فی الطول والموضوع تکتب بطریقة عفویة سریعة، خالیة من التکلیف والرهق، وشرطها الأول أن تکون تعبیراً صادقاً عن شخصیة الکاتب).

فالمقالة إذن وفق هذه التعاریف إظهار وإشهار لرأی الکاتب حول حدث حصل فی الماضی أو هو حاصل یکتب بأسلوب نثری، وفی الواقع أن هذا التعریف بشکل عام منطبق على مقالات الأعمدة والرأی وإلا فإن التعریف یضیق أو یتسع وفقا لأغراض المقالة وموضوعاتها، وحتى فی مقالات الرأی فالکاتب فی أحایین کثیرة ینقل نبض الشارع فتکون مقالته معبرة عن الواقع حتى وإن لم یتوافق معه کلیا، فکاتب المقالة وبخاصة المقالة الصحفیة إنما یتعرض لمشکلات قائمة قد تکون مشکلات اجتماعیة أو اقتصادیة أو سیاسیة أو ریاضیة، فهو یکتب معبراً عن رأیه ورأی الشارع، فإن کتب ما یؤمن به کانت مقالته تثقیفیة عامة للمجتمع وإن کتب نبض الشارع نقل رأی الشارع للمسؤولین فیکون حینئذ واسطة بین المجتمع وولاة الأمر أی أن الکاتب فی هذه الحالة یمارس دور منظمات المجتمع المدنی التی تمثل حلقة الوصل بین قطاعات الشعب والمسؤولین، وبهذا یکون الکاتب فی هذه المرحلة من الکتابة على درجة کبیرة من الأهمیة ولعل أنجح المقالات هی التی تعبر عن نبض الشارع بأسلوب بلیغ وبعبارات أدبیة جزیلة تناغی النفس وتشحذ العقل.

والمقالة وإن کان فی تعریفها العام بخاصة المقالة الأدبیة هی عبارة عن قطعة نثریة فی مقابل القصیدة، وهی جزء من الأدب المنثور، لکن ذلک لا یمنع من وجود أبیات شعریة فی داخل النص النثری، کما إن تضمین المتن النثری لنصوص منظومة لا تخرجه عن التعریف العام، بل أن أنجح المقالات ما کانت متضمنة لنصوص شعریة شاهدة تستوفی الغرض وأنجح منها بخاصة فی المقالة المنثورة باللغة العربیة ما کانت متضمنة لنصوص قدسیة من آیات وأحادیث أو أمثال عربیة نثریة أو شعریة، لأن النص المقدس أو الأثر ألصق بالنفس وأقرب إلى القلب تسوق القارئ أو المستمع إلى هدف المقالة وغایتها من أقرب الطرق وأقصرها وأوضحها.

ومن معانی المقالة القول أو الحدیث، من ذلک ما ورد فی خطبة الإمام الحسین (ع) یوم عاشوراء حیث وقف أمام الجیش الأموی وراح ینسب نفسه إلى أن قال: "أو لم یبلغکم قول رسول الله لی ولأخی: هذان سیدا شباب أهل الجنة؟ .." ثم یضیف علیه السلام: "سلوا جابر بن عبد الله الأنصاری وأبا سعید الخدری وسهل بن سعد الساعدی وزید بن أرقم وأنس بن مالک یخبروکم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لی ولأخی، أما فی هذا حاجز لکم عن سفک دمی؟!" (مقتل الحسین للمقرم: 228).

• فن قدیم متجدد

لا یوجد تأکید جازم عمن ابتدع فن المقالة، إلا أن الدراسات الغربیة بشکل عام تنسب هذا النوع من الأدب المنثور إلى الأدیب الفرنسی میشیل إیکیم مونتینی (Michel Eyquem de Montaigne) (1533- 1592 م) فی کتابه (Essais) أی المحاولات (Attempts) الذی صدر عام 1585 م، وقیل أن أول من استعمل کلمة (Essayist) فی الأدب الإنکلیزی هو الأدیب بنیامین جونسون (Benjamin Jonson) (1572- 1637 م) وبعض الکتاب الناطقین باللغة العربیة الغائبین عن عیون الثقافة العربیة یذهبون مذهب الغربیین فی ذلک، إلا أن شخصیات أدبیة عربیة قدیمة لها حضور فی عالم المقالات کعبد الحمید بن یحیى الکاتب المتوفى سنة 132 هـ وعبد الله بن المقفع (105- 141 هـ) والجاحظ عمرو بن بحر (159-255 هـ) وأبی حیان علی بن محمد البغدادی التوحیدی (310- 414 هـ) وابن الجوزی عبد الرحمن بن علی (510- 592 هـ) وغیرهم وإن کانت مقالاتهم أخذت اسم "الرسائل" کما اخذ مقالات الغربیین اسم (Essay).

لکن الدکتور الکرباسی فی "معجم المقالات الحسینیة" له وجهة نظر أخرى فهو یعتقد: (إن فکرة المقالة جاءت مع فکرة الکتاب والتألیف، لأن الکتاب هو عبارة عن فصول عدة، وکل فصل هو مقال)، فکتابة المقالة قدیمة من قدم الإنسان مع ملاحظة: (إن تاریخ الکتابة والکتاب یعود إلى عمر البشریة والفکرة جاءت من السماء من قبل الله جل وعلا حینما انزل الصحف على آدم (ع) وفی الإسلام بدأ بالقرآن، وقد بدأ بالتألیف لأول مرة فی الرجال الإمام أمیر المؤمنین –ع- ومن بین النساء فاطمة الزهراء –ع-)، وعلیه کما یذهب المؤلف: (یمکن القول بأن تاریخ المقالة قدیم بقدم الإنسان حین کان الله سبحانه وتعالى ینزل على أنبیائه جزءاً مترابطا یحمل فکرة لإیصالها إلى الناس فهذه مقالة لغویة وإن لم یصطلح علیها ولکنها تحمل الفکرة نفسها)

ولا یخفى أن المقالة متنوعة الأسالیب، بید أنه اشتهرت منها المقالة الأدبیة لأنها تستحوذ على القلوب والمشاعر بما ترصعه من محسنات بدیعیة معنویة ولفظیة، وقد عد الأدیب البریطانی تشارلز لامب (Charles Lamb) (1775- 1834 م) من مشاهیر کتاب المقالة الأدبیة فی الأدب الغربی، فی حین عُدَّ مصطفى لطفی بن محمد لطفی المنفلوطی (1289- 1343 هـ) من مشاهیر کتاب المقالة الأدبیة فی الأدب العربی، وبین هذا وذاک عدد غیر قلیل من رواد فن المقالة.

• الصحافة جناح المقالة

اقترن فن المقالة بنشوء الصحافة، باعتبار أن الصحافة أول وسیلة إعلامیة مقروءة تعتبر حاملا للمقالة وجناحها إلى القارئ، وبخاصة مع ظهور الطباعة الآلیة التی بدأت أولا فی ألمانیا سنة 1464 م أی بعد قرن من اشتهار الأدیب الفرنسی مونتینی، ثم دخلت المطبعة العالم الإسلامی سنة 1490 م فی استانبول، وفیالعراق دخلت المطبعة الآلیة أولا فی مدینة کربلاء المقدسة بالعراق أوائل سنة 1856م.

ولا یعنی الإشارة إلى الطباعة الآلیة وظهور الصحافة ، أن الصحف لم تکن موجودة قبل هذا التاریخ، فالمجتمع البشری عرف الصحافة منذ الزمن الأول، فکان القائد الرومانی یولیوس قیصر بن غیوس یولیوس (Caesar Gaius Julius) (100- 44 ق. م) کما یؤکد الکرباسی: (یصدر نشرة یومیة ویعلقها فی الأماکن العامة لتذیع على الناس أخبار الدولة) وهی أشبه الیوم بمجلة "الوقائع" الرسمیة لکل بلد کما فی مجلة "الوقائع العراقیة"، کما أن: (أقدم صحیفة صدرت فی بکین بالصین کانت فی القرن الثامن الهجری -14 م-).

فالصحافة بشکل عام استوعبت المقالة، ولاسیما مقالة الرأی والعمود الیومی والأسبوعی المصطبغات بأفکار کاتبها، ولکن لا یعنی هذا أن کل مقالة منشورة فی الصحافة هی مقالة صحافیة معنیة بمتابعة قضایا الناس الیومیة فی مقابل المقالة الأدبیة، لأنَّ الصحافة الورقیة بشکل عام تتضمن بین طیات صفحاتها أغراضاً متنوعة، وبتعبیر المؤلف: (لا یمکن أن یصنف کل ما ورد فی الصحف بالمقالة الصحفیة حیث أن الصحیفة ظرف للمقالة الأدبیة والفلسفیة والسیاسیة والعلمیة وما إلى ذلک، ومن هنا تتصف الصحافة بجمیع أقسامها بالفلسفیة والسیاسیة والتاریخیة وغیرها).

• معاییر نموذجیة

لا تختلف مقالة عن أخرى من حیث المقدمة والمادة والخاتمة، فهذه الثلاثیة ملازمة لکل مقالة، فلیس من المستساغ الشروع بالمقالة من صلب مادتها دون تقدیم لها کما أن الخاتمة هی بمقام النتیجة أو خلاصة المقال، فلکل عمل أو قول مقدمة، بل فی بعض المقالات تعتبر المقدمة واجبة کوجوب الوضوء للصلاة وإلا کانت مقالة مبتورة غیر مستوفیة للشروط، ولکن بالتأکید أن المقالة تختلف من حیث الموضوع والأغراض فهناک المقالة السیاسیة والمقالة الأدبیة والمقالة العلمیة والمقالة الإقتصادیة وهلم جرا، ویختلف الأسلوب والصیاغة من مقالة لأخرى فلیس من المستحسن استعمال المحسنات اللفظیة بکثرة فی المقالة العلمیة فهذا یخل بها کما یخل بالمقالة الأدبیة جفافها من المحسنات اللفظیة.

وهنا یضع الأدیب الکرباسی مجموعة معاییر یراها لازمة للمقالة والکلمة معا باعتبار أن الکلمة أو الخطبة کما یعتقد هی نمط من أنماط المقالة لوجود القاسم المشترک بینهما وهو: المادة والأسلوب والهدف، فالمقالة والکلمة لهما: مادة أی الموضوع والفکرة، ولهما أسلوب: هو القالب اللفظی الذی تصب فیه الفکرة لعرضها على القارئ أو المستمع، ولهما هدف: أی الغرض والاستنتاج، ولعل أهم المعاییر:

أولا: العنوان: فاختیار العنوان الصائب المتضمن لفحوى المقال له أثر کبیر فی تقبل المقالة، فکما أن المکتوب یعرف من عنوانه فإن المقالة تعرف من عنوانها. ولکن فی أحایین أخرى کما أعتقد أن الغموض فی العنوان عامل جذب لقراءة المقال، ولکن لیس بغموض بعید عن أصل الموضوع. على أن العناوین هی الأخرى تختلف باختلاف نوع المقالة من حیث استخدام السجع والمحسنات اللفظیة والتلمیح والتصریح وأمثال ذلک، وهذا یتطلب الدقة والحیطة بعدم استخدام العنوان ومقارباته فی مقالات أخرى للکاتب نفسه، وتجنب استخدام عناوین کتاب آخرین لأن العنوان هو بمقام هویة المقالة والکاتب معاً، إلا إذا کان العنوان مثلاً شائعا أو شاع العنوان وصار مثلاً.

ثانیا: عدم الابتعاد کثیرا عند عرض المادة عن صلب الفکرة، حتى لا یضیع الغرض من المقالة وأهدافها ونتائجها.

ثالثا: لأن خیر الکلام ما قلَّ ودل، فینبغی عدم إشباع المقالة إنشاءاً ما دامت الفکرة قد استنفذت أغراضها، فالنص النثری کالنص الشعری، لیست القوة فی عدد أبیات القصیدة بقدر جزالة اللفظ وقوة الأسلوب والبلاغة وإیصال الرسالة من أقصر الطرق إبداعا.

رابعا: تعتبر الکتابة الملتزمة الهادفة والخطابة الملتزمة المسؤولة جزءا من رسالة الأنبیاء ولأن الأنبیاء کما أوضح النبی محمد (ص) فی بیان أسلوب الدعوة: (إنا معاشر الأنبیاء أُمرنا أن نکلِّم الناس على قدر عقولهم) (بحار الأنوار: 1/85) فإن الکاتب أو الخطیب ینبغی أن یعرف لمن یکتب أو یخطب، وعلیهما أن یدرکا کما قال الإمام جعفر الصادق أنه: (ما کلَّم رسول الله العباد بکنه عقله قط) (بحار الأنوار: 1/85).

خامسا: الإبتعاد عن الغموض والطلاسم فی عرض الموضوع واستعمال المفردات، على أنَّ ذلک لا یتقاطع مع استخدام المحسنات البدیعیة.

سادسا: الابتعاد عن الأسماء المستعارة لأن المقالة تفقد جزءاً کبیرا من قیمتها، ویضعف الإعتماد علیها حتى وإن تضمنت أفکاراً راقیة أو معلومات واقعیة مائة فی المائة. وهذه حقیقة لمسها الکثیر من الأدباء والکتاب الذین کتبوا بأسماء مستعارة أیام المعارضة السیاسیة وبخاصة فی البلدان التی تلجأ فیها السلطات الأمنیة إلى اعتقال ذوی السیاسی المهاجر، ولکن الأسوأ من ذلک بتقدیری استمرار الکاتب الإعتماد على الإسم المستعار مع ارتفاع السبب، وقد علمتنا التجربة أن المقالة المذیلة باسم مستعار تکون فی بعض الأحیان غیر مسؤولة تضرب بحصاة عمیاء هنا وهناک وکاتبها کحاطب لیل. وأسوأ من ذلک الذی یکتب باسم مستعار فی بلد یضمن فیه الدستور حریة الرأی، ومعظم هؤلاء هم خارجون على قانون الکتابة الصائبة ولا یستطیعون الحراک تحت ضوء الحریة، ویستغلون أجواء الحریة لتلبیدها بغیوم التشویش والتشویه والألفاظ السوقیة والشتائم والمعلومات المغلوطة.

ویرى الشیخ الکرباسی أن تقویم المقالة أو الخطبة یتطلب إیجاد مراکز تعلیم لکتابة المقالة وامتهان الخطابة، لأن العفویة وإن کانت متصلة بالإبداع الذاتی لکنها لا تغنی أبدا عن التعلم، ولذلک فإنَّ مدارس الثانویة فی أمیرکا تفرض على الطالب تعلم فن کتابة المقالة، ومثل هذا قائم فی عدد من البلدان العربیة مثل العراق والجزائر حیث یتعلم الطلبة فی سنوات متقدمة درس "الإنشاء" الذی یتضمن فن المقالة.

• وسائل إعلام حاضنة

یقوم منهج "معجم المقالات الحسینیة" على ذکر المقالات الخاصة بالنهضة الحسینیة من قریب أو بعید حسب الحروف الهجائیة، ولأن المقالات من کل اللغات بالآلاف فإن المؤلف اعتمد من کل حرف مجموعة من المقالات موضحا فی أسطر خمسة: عنوان المقالة، الکاتب، التاریخ، الناشر، والموضوع، فکانت 684 عنوان مقالة.

ولأن غرض الکتاب توثیق المقالة والکاتب والناشر، فإن المؤلف أفرد 58 صفحة لبیان تفاصیل 92 مطبوعة ورد ذکرها فی المعجم، وهذه خدمة إعلامیة کبیرة یقدمها الکتاب للمؤسسات الإعلامیة وللباحثین فی مجال الإعلام، لأن ترجمة المطبوعة من جریدة أو مجلة أو نشرة أو موقع الکترونی هو توثیق لهذه المطبوعة من حیث بدایة التأسیس وحتى الیوم وأسماء رؤساء التحریر وتراجمهم، بخاصة وأن عدداً غیر قلیل من هذه المطبوعات توقف عن النشر منذ سنوات طوال.

وقد تضمن التوثیق المعرفی الوسائل الإعلامیة التالیة: آفاق حسینیة (مجلة)، أبرار (جریدة)، أجوبة المسائل الدینیة (مجلة، الأخلاق والآداب (مجلة)، إرشاد (مجلة)، الأضواء (مجلة)، الإمام الحسن العسکری (موقع)، الإمامین الحسنین (شبکة)، الإنتفاضة (جریدة)، الإیمان (مجلة)، پیام عمل (مجلة)، البدیل الإسلامی (جریدة)، بشرى (مجلة)، تبیان (موقع)، تنظیم المکاتب (مجلة)، التوحید (قم- مجلة)، الثقافة الإسلامیة (مجلة)، الثورة الحسینیة (نشرة)، الجدیدة (مجلة)، جعفری (مجلة)، حوزة (مجلة)، حسینیة جنتری (نشرة)، جنگ(جریدة)، خواجگان(مجلة)، الدار (جریدة)، درس عمل (مجلة)، دستک (مجلة)، دیوان العرب (مجلة الکترونیة)، ذکریات المعصومین (مجلة)، الرأی الآخر (مجلة)، الرأی الآخر للدراسات (مرکز)، رسالت (جریدة)، رسالة الإسلام (بغداد- مجلة)، رسالة الإسلام (القاهرة- مجلة)، رسالة الثقلین (مجلة)، رسالة الحسین (مجلة)، رسالة الشرق (مجلة)، رسالة عاشوراء (نشرة)، الرکن الأخضر (موقع)، الزوراء الإعلامیة (شبکة)، سلام (جریدة)، الشرق (بغداد- جریدة)، الشرق (الدوحة- جریدة)، الشرق الأوسط (جریدة)، الشمس (جریدة)، الشهید (مجلة- جریدة)، الصباح الجدید (جریدة)، صدى عاشوراء (مجلة)، صوت الخلیج (مجلة)، صوت العراق (جریدة)، صوت المبلغین (مجلة)، الطریق الإسلامی (مجلة)، طریق الحق (مجلة)، الطف (نشرة)، عاشوراء (لندن- جریدة)، عاشوراء (طهران- نشرة)، العالم (مجلة)، العدالة (جریدة)، العدل الإسلامی (مجلة)، العرب (جریدة)، العمل الإسلامی (جریدة)، الغدیر (بیروت- مجلة)، الغدیر (لاهور- مجلة)، فدک (مجلة)، الفرات (جریدة)، الفوانی س (مجلة إلکترونیة)، کار وکارگر (جریدة)، کربلاء الشهادة (نشرة)، الکلمة (مجلة)، لواء الإسلام (مجلة)، المؤتمر (جریدة)، المجلس الحسینی (بیان)، المدى (جریدة)، المرصد العراقی (شبکة)، مزن الثقافیة (شبکة)، المعرفة (مجلة)، المنتظر (مجلة)، المنتقى (مجلة)، المنارة (جریدة)، المواقف (مجلة)، الموسم (مجلة)، الموقف الإسلامی (جریدة)، میدل إیست أون لاین (صحیفة إلکترونیة)، النبراس (مجلة)، النجف (مجلة)، النور (مجلة)، نور الإسلام (مجلة)، النور (مؤسسة ثقافیة)، الهادی (مجلة)، همشهری (جریدة)، الوفاق الإسلامی (جریدة)، والوقت (جریدة).

• عولمة إنسانیة

ولأن أی جزء من أجزاء دائرة المعارف الحسینیة لا یخلو من مقدمة لعلم من أعلام الإنسانیة، فإن التایلندی البروفیسور تناپون تاناری یاچای وهو بوذی مقیم فی العاصمة بانکوک من طائفة مهاجارانا، اطلع على الجزء الأول من "معجم المقالات الحسینیة" فوجد: "إن الحدیث عن الإمام الحسین (ع) لیس بالسهل المیسر لأنه لم یکن کأحد الناس الذین یمارسون حیاتهم العادیة بل وحتى المتفوقین منهم، وذلک لأنه یمتلک مَلَکةً تضم کل الروحانیات والأخلاقیات التی تمثل نموذج الإنسانیة بشکلها الکامل الذی یصعب الوصول إلى کنهه وأصله وإلى تحققه فی عامة الناس، إنه یملک روحاً ملائکیاً لا ینظر إلاَّ إلى الصلاح والإصلاح ... ومن هنا جاءت عظمته وقدرته على الدخول فی قلوب البشریة من أی دین أو مذهب، من حیث أن جمیع الأدیان والمذاهب فی أصل عقیدتها وقبل أن یعمل المنحرفون على تغییر مسارها تدعو الى الخُلُق الرفیع وإلى تطبیق مفاهیم الإنسانیة بأعلى مراتبها وتطبیق العدالة الإجتماعیة على أرض الواقع لأنهم رسل السلام والعدالة، ومن هنا نجد أن مثل هذا الإمام العظیم لا یخص فئة دون أخرى من البشر، وکل الدارسین من الأدیان والمذاهب یدرکون هذه العظمة ویقدسونها بعیداً عن التحزب السیاسی أو المذهبی أو العقیدی".

ووجد البروفیسور تناپون تاناری یاچای أن معجم المقالات الحسینیة: "یدلنا على أمرین هامین تتفرع عنهما أمور أخرى:

أولا: البعد الجغرافی والتاریخی للإمام الحسین (ع) حیث اخترق الحدود الجغرافیة ولم یعترف بها بل دخل کل الأقطار حینما دخل القلوب بجمیع انتماءاتها وعقائدها فکتب عنه کتّاب مختلفون کلاً بلغته الأمْ. کما أنّ البعد التاریخی ظاهر فی ذلک فمنذ ظهرت الطباعة وإلى یومنا الحاضر فإن صفحات وسائل الإعلام خصصت جزءاً منها للتوجه الحسینی.

ثانیا: إنَّ جهد المؤلف یتضح من خلال عمله الدؤوب على بیان الواقع الشعبی البشری لهذا الإمام وبأسلوب لطیف قلّما تجده فی الکتابات الأخرى، فالإنصاف العلمی والمعرفی یقتضی تعضید هذا الکاتب، وتثمین هذا الکتاب الذی یمثّل سفراً قیِّماً بما یحتویه من مطالب متنوعة تکوّن دراسة کاملة عن سیرة هذا الإمام العظیم، ولکن بأقلام وأفکار مختلفة".

فی الواقع أننا ندرک ومن خلال تعدد المصادر الإعلامیة التی استوعبت المقالات الحسینیة وبلغات متعددة على مر التاریخ أن الإنسانیة توّاقة إلى رسل الصلاح والإصلاح وطیور الرحمة والسلام، وأن البشریة مهما شرَّقت بأفکارها وغرّبت فهی بحاجة الى مرفأ أمان ترسو فیه مراکبها.