دعم الموسوعة:
Menu

معجم المقالات الحسينية الجزء الثاني:

ضمائر شاهدة فی حضرة المقالة النافذة

 

شاع فی الأمثال أن لکل مقام مقالا ولکل حادث حدیثا، وللمثل مصادیق عدة على مستوى الحیاة الیومیة، وکل فرد من أفراد المجتمع صغیرا کان أو کبیرا ذکرا کان أو أنثى یطبق المثل عملیا مرة ومرات وفی الیوم الواحد، بخاصة عندما یکون الفرد جزءاً من مجتمع متحرک وعلى تماس مباشر معه، فهو یمارس المثل قولاً أو أداءً أو تقریراً لقول أو فعل، ویختلف الأداء من ظرف لآخر ومن مکان لآخر ومن زمان لآخر ویتعدد الأداء بتعدد الأطراف التی یقع علیها مقول القول أو الفعل أو التقریر، وقد یقع تطبیق المثل علیه فیکون فی مقام المفعولیة لا الفاعلیة.

والإنسان المحنک الخبیر بشؤون الحیاة هو الذی یحسن استخدام المثل زمانا ومکانا وأشخاصا، فما یصح منَ القول فی مکان لا یصح فی آخر، وما یصح فی زمان لا یصح فی غیره، وما یصح مع شخص لا یصح مع مثله، وهذا الإنسان ینطبق علیه قول الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): (العالم بزمانه لا تهجم علیه اللوابس) تحف العقول: 356، أی أن معرفته بما یحیط به واختباره للرجال یجعله فی ظرف یتمکن معه من أن یضع الأمور فی نصابها ویجنِّبه عادیات الزمن.

ولعل فن المقال أو المقالة مأخوذ فی نسیج حبکته من المثل المشهور، فالناجحة منها هی التی یتمکن معها صاحبها من تشخیص الأمور المعقدة وإیجاد الحلول الناجعة لها، على تنوع فنونها من أدبیة وسیاسیة واجتماعیة وطبیة وعلمیة وغیر ذلک، وما کان حلیفها النُجْحُ یصل بها کاتبها إلى قلب المتلقی وعقله وعواطفه، وبالتالی التربع على صدر تفکیره، فربما نطق المتلقی فی مجمع عام أو خاص بما قرأه فی مقالة هنا أو هناک دون قصد، وحینئذ یکون صاحبها قد ضمن الإنتشار أفقیا وعمودیا عبر المتلقین، وهذا مبلغ ما یتمناه الکاتب المُجد الصادق مع نفسه حتى وإن لم تتم الإشارة إلیه، فعندما تأخذُ أفکاره دورها فی التداول بین أفراد المجتمع وعبر وسائل الإعلام، فمعنى ذلک أنه نجح فی الوصول إلى ضمیر المتلقی وتفاعل الأخیر معه، وهو هنا یشبه إلى حد کبیر الممثل الذی یحاول إیصال رسالة معینة عبر فیلم أو تمثیلیة أو مسرحیة وأضرابها، بل أن هذه النصوص فی مؤداها العام تأخذ منحى المقالة فی رسالتها إلى المتلقی، فکل صاحب رأی یحاول أن ینشر فی مجتمعه رسالة بعینها.

ولما کانت نهضة الإمام الحسین(ع) قد حملت أرقى معانی الخیر والمحبة والوئام والسلم المجتمعی، تماماً کما هی رسالة الإسلام، فإن المقالة الحسینیة تتصدر هذا الفن من الأدب المنثور فی بث ونشر معانی النور والخیر فی المجتمعات، ووضع الکلمة الحقَّة فی المکان والزمان المناسبین، وإذا تمتعت المقالة الحسینیة بمقومات المقالة الناجحة من أسلوب بلاغی، وحبکة أدبیة، وعبارات مفهومة، وترابط موزون بین المقدمة والمتن والخلاصة، وعنوان خلّاب یسوق القارئ مرغما، فإن سبیلها إلى المتلقی والتأثیر علیه سیکون سالکاً مما ینشِّط من عملیة التبادل المشترک بین الملقی والمتلقی وتحقق الفائدة المرجوة من أصل المقالة، بخاصة ونحن نشهد بفعل تطور وسائل الإتصال تخمة فی المقالات کثیرها غث وقلیلها بحاجة إلى تمحیص، حتى استسهل الکثیر من دعاة القلم کتابتها، حسینیة کانت أو غیرها، فضاع الصواب مع ازدحام الجواب.

وللمقالة الحسینیة نکهة خاصة، فمع أنَّ محورها شخص واحد هو الإمام الحسین(ع)، فإن أفکار نهضته المبارکة لا تنضب، لأن القیم السامیة التی نهض من أجلها سبط النبی محمد(ص) تکاملیة مطلقة غیر محدودة، کلما ظن المرء وصول کمالها فإنه بحاجة إلى مجاهدة بدنیة وریاضة روحیة حتى یتسلق قمتها، ولهذا کلما أفرغ الکاتب محبرته احتاج إلى أخرى، فتنضب محابره ولا تنفذ قیم الرسالة الحسینیة، وحتى یتم توثیق المقالات الحسینیة انبرى المحقق الشیخ محمد صادق الکرباسی بإفراد باب خاص من أبواب دائرة المعارف الحسینیة الستین لباب المقالة، ومن هنا جاء الجزء الثانی من (معجم المقالات الحسینیة) الصادر حدیثا (2011م) عن المرکز الحسینی للدراسات فی 560 صفحة من القطع الوزیری.

مقالة وبلد

إذا کان الجزء الأول من (معجم المقالات الحسینیة) ضم 684 مقالة لکتَّاب من بلدان مختلفة، فإن الجزء الثانی منه فاق عددا وضم 768 مقالة وبلغات مختلفة، عربیة وفارسیة وأردویة وانکلیزیة وکجراتیة وألمانیة، وتوزع کتّابها -من حیث الوطن أصالة أو التوطن إقامة أو هجرة أو تجنُّساً- على البلدان التالیة حسب الحروف الهجائیة: أسترالیا، اسکتلندا، ألمانیا، أمیرکا، إیران، باکستان، البحرین، بریطانیا، بلجیکا، تونس، دانمارک، سوریا، السوید، العراق، کندا، کوسوفو، کولومبیا، الکویت، لبنان، مصر، النرویج، الهند، وهولندا، على أن المقالات الواردة من إیران باللغتین العربیة والفارسیة استأثرت بالعدد الأکبر یلیها العراق ثم بریطانیا وبعدها الکویت وباکستان ولبنان.

وهذا التوزیع الجغرافی للمقالات وکتابها ووسائل الإعلام التی نشرتها فی شرق الأرض ومغربها، یُقدم الدلیل القاطع بأن النهضة الحسینیة لم تعد محصورة فی العراق أو إیران، ولا هی حکرا على کربلاء التی تضم مرقد الإمام الحسین(ع) والأرض التی وقعت على رمالها معرکة کربلاء عام 61 للهجرة، ولا هی منحصرة فی القاهرة التی تضم مرقد شریکة واقعة کربلاء السیدة زینب الکبرى بنت علی(ع)، بل ان الإمام الحسین(ع) وجد طریقه فی قلب کل صاحب فطرة سلیمة بغض النظر عن الدین أو المعتقد أو اللغة أو الموطن، فالقیم الخیرة التی دافع من أجلها الإمام الحسین(ع) هی قیم فطریة مزروعة فی بواطن الناس الدابِّین على وجه الأرض.

وقد وجدت خلال زیارتین للقاهرة فی العامین 2010م و2011م أن إیمان أهل مصر بالإمام الحسین(ع) بخاصة وأهل البیت(ع) بعامة منقطع النظیر، وبتعبیر الأستاذ عادل سعد زغلول صاحب کتاب (مشاهیر أهل البیت فی مصر) الذی التقیت به فی حرم مقام رأس الحسین(ع) فی القاهرة فی 23 و24/6/2011م ضمن رحلة عمل معرفی توثیقی: "أننا نؤمن بأن الإمام الحسین(ع) وبحساب الزمن البرزخی موجود فی هذا المقام رأساً وجسداً، وأننا حینما نتوجه إلیه للزیارة وقراءة الفاتحة إنَّما نتوجه إلى الإمام الحسین(ع) ککل". وهذا الإیمان هو الذی یعمق الصلة بین شعب مصر وأهل البیت(ع)، بل ان الدعوات تتجه منذ فترة وبخاصة أثناء حوادث ثورة 25/1/2011م وبعدها إلى توحید الخطاب الإسلامی والقبطی المسیحی فی الشارع المصری عبر بیان القواسم المشترکة بین رسالة السید المسیح(ع) التضحویة ورسالة الإمام الحسین(ع) الإستشهادیة، وهذا ما لمسته من خلال لقائنا بالأستاذ السید محمد الدرینی أمین عام مجلس آل البیت فی مصر، فی العاصمة القاهرة فی 19/6/2011م، وربما أن الحب الخالص للإمام الحسین(ع) وتوحید الخطاب الشعبی على طریق نهضة مصریة هو الذی یثیر غضب وحنق بعض المجموعات المتطرفة التی استغلت الفراغ الأمنی فی فترة الثورة الشبابیة فی الاعتداء على بعض مراقد الأولیاء والصالحین فی عموم مصر مدفوعة بأموال قادمة من خارج الحدود تعمل على خلق فتنة داخلیة وطائفیة فی مصر کما سعت من قبل فی العراق بعد عام 2003م، ولا أظن أن النجاح سیکون حلیفها، لأن الشعب المصری واعٍ بهذه المؤامرة، ویدرک عقلاؤه أنها تستهدف وحدة الشعب المصری من مسلمین ومسیحیین، ومن سنّة وشیعة، بل تیقَّنت عن قرب ومن خلال المعاشرة المباشرة أن سنّة مصر هم فی صدر المتصدین لمثل هذه النعرات المغلفة بقشور الإسلام.

حضور إعلامی

وما یمیز جهد العلامة الکرباسی فی (معجم المقالات الحسینیة) إحاطته الکاملة قدر المستطاع بوسائل الإعلام المقروءة التی ظهرت فیها المقالات الحسینیة، فأفرد لکل جریدة ومجلة وموقع ورد ذکرها فی الکتاب شرحا مفصلا، مما یجعل القارئ یقف على الوسیلة الإعلامیة من حیث تاریخ النشأة ومکان الصدور والمؤسس ورئیس التحریر والهیئة التحریریة ومسیرها فیما إذا کانت متوقفة أو مستمرة أو متعثرة فی الصدور.

ووسائل الإعلام الواردة حسب الحروف الهجائیة هی: الأحداث (جریدة- لندن)، أخبار الخلیج (جریدة- البحرین)، إسلام (جریدة- لندن)، إطلاعات (جریدة- طهران ولندن)، الأقلام (مجلة- العراق)، أهل البیت (مجلة- بیروت)، أهل البیت (مجلة- لندن)، الأیام (جریدة- البحرین)، الإیمان (نشرة- لندن)، بدر (جریدة- إیران)، البلاد (جریدة- السعودیة)، البیان (مجلة- العراق)، تراثنا (مجلة- إیران)، التوحید (مجلة- إیران)، الثقلین (نشرة- إیران)، الجامعة الإسلامیة (مجلة- لندن)، الجمهوریة (جریدة- العراق)، جمهوری إسلامی (جریدة- إیران)، الجهاد (جریدة- إیران)، الحیاة (جریدة- لبنان ولندن)، راصد (شبکة سعودیة)، رسالة التقریب (مجلة- إیران)، رسالة الثقلین (انکلیزی- لندن)، رسالة الحسین (جریدة- الکویت)، الزهراء (مجلة- مصر)، السفیر (جریدة- لبنان)، السفینة (مجلة- النرویج)، سلام یا حسین (موقع باکستانی)، شباب الیوم (مجلة- لندن)، شبکة الإعلام العراقی (موقع- الدانمارک)، شبکة الإمام الرضا (موقع- إیران)، شبکة التوافق الاخباریة (موقع سعودی)، الشرق (نشرة عراقیة)، الشهادة (جریدة عراقیة)، الشورى (نشرة عراقیة)، الصادقین (موقع إیرانی)، صدای زینب (مجلة - الهند)، الصراط (مجلة – لندن)، الطاهرة (مجلة- إیران)، طریق الشعب (جریدة عراقیة)، العراق الحر (جریدة- لندن)، عراق عجم (جریدة- إیران)، العرفان (مجلة- لبنان)، العهد (جریدة- لبنان)، الغری (مجلة- إیران)، الفکر الإسلامی (مجلة- إیران)، القبس (جریدة- الکویت)، قضایا إسلامیة (مجلة- إیران)، کلمة الحق (مجلة- باکستان)، الکوفة (نشرة- هولندا)، کیهان (جریدة- طهران ولندن)، کیهان العربی (جریدة- طهران)، لغة العرب (مجلة- العراق)، المبلغ (مجلة- لندن)، المجتمع (جریدة- العراق)، مکتب إسلام (مجلة- إیران)، منبر الحریة (مجلة- لندن)، المنبر الحسینی (مجلة- سوریا)، المنتظر (مجلة- باکستان)، منشورات مکتب المدرسی (طهران)، المنطلق (مجلة- لبنان)، منهاج الحسین (مجلة- باکستان)، المواقف (مجلة- لبنان)، مونسترش (جریدة- ألمانیا)، النبأ (جریدة- إیران)، النبأ المعلوماتیة (موقع- العراق)، ندائی شیعة (جریدة- باکستان)، یا حسین (موقع باکستانی)، ویا لثارات الحسین (نشرة عراقیة).

ویلاحظ أن الصحف والمجلات المشروحة بلغ عددها 71 وسیلة إعلامیة، بالإضافة إلى العشرات مما ورد فی الجزء الأول والبالغة (86) وسیلة إعلامیة، کما أن المقالات الواردة هی أکثر عدداً ومتوزعة على مساحات جغرافیة أوسع، وکلما تقدم الزمن إزدادت عدد الوسائل الإعلامیة التی تغطی الحدث الحسینی، وکذلک اتسعت الرقعة الجغرافیة، وتعددت اللغات، وارتفعت معدلات المقالات الحسینیة، مما یعکس حجم الإنتشار الذی تلقته النهضة الحسینیة، ولا شک أن للهجرات المتعددة للمسلمین إلى أوروبا والأمیرکیتین والدول الاسکندنافیة من بلدان إسلامیة عدة کالعراق وإیران وباکستان ولبنان، ساهمت بشکل کبیر فی التعریف بالنهضة الحسینیة، من خلال الإحتکاک المباشر بین المهاجرین والشعوب الغربیة، وقد ساهم تحول الکثیر من الغربیین إلى الدین الإسلامی ولا سیما فی العقود الأخیرة التی تلت إنتصار الثورة الإسلامیة فی إیران، والتحولات الدیمقراطیة فی العراق وبعض الدول العربیة ساهمت هی الأخرى فی فک الحصار عن الأدبیات الحسینیة، وبخاصة وأن التحول الذی شهده العراق بعد نیسان ابریل عام 2003م جعل الشعوب العربیة على اتصال مباشر بالشعب العراقی الموالی لأهل البیت(ع) وبخاصة أن قاسم اللغة والجنس والإمتداد الجغرافی هو الذی یجمعهم مما جعل تنقل الأدبیات الحسینیة بین الشعب العراقی والمجتمعات العربیة أسهل بکثیر مما کان علیه من قبل حینما حاول فیه النظام السابق بناء سد کبیر بین الشعب العراقی وجیرانه العرب والعجم تحت یافطة (البوابة الشرقیة) وحمایة العرب من الخطر المجوسی المزعوم!

فهذه المعطیات والتحولات وغیرها، خلقت عولمة إعلامیة على مستوى المقالات الحسینیة ممتدة فی عمق الزمان والمکان أفقیا وعمودیا، کما أن الضربات الکبیرة التی تلقاها المجتمع العراقی فی السنوات الماضیة من قبل المجموعات الإرهابیة وبخاصة تفجیر السیارات المفخخة فی المدن العراقیة، کربلاء المقدسة وسامراء على وجه الخصوص، عزَّز معرفة الآخر بالإمام الحسین(ع) ونهضته المبارکة، مما کوَّن حزمة کبیرة من المقالات الحسینیة وبلغات کثیرة، عمل راعی دائرة المعارف الحسینیة ومؤلفها الشیخ الکرباسی على متابعتها وتوثیقها.

السهل الممتنع

على بساطة منهج المؤلف بالتعریف بالمقالة الحسینیة من خلال بیان عنوانها المقالة وکاتبها وناشرها وتاریخ نشرها وفحواها، لکنه فی الوقت نفسه مهم، وهو من نوع السهل الممتنع، فمجموعة العناوین بحد ذاتها هی حصیلة مفیدة تغنی القارئ فی اختیار عناوین لمقالات لاحقة أو کتب تحت الطبع، فالعنوان هو اسم على مسمى فکلما کان العنوان محکما کان أقرب إلى القارئ والمتلقی، لان القارئ بشکل عام یجذبه العنوان، والأخیر بمثابة البوابة، فکما أن مقدمة الدار دالة على نوعیة أهلها، کذلک عنوان المقالة مرشد إلى فحوى المقال وحجم کاتبه، وفی الأمثال: المکتوب معروف من عنوانه.

وعلى مستوى الفحوى والمحتوى، فإن الشرح وإن جاء فی سطر أو سطرین وربما تعدى إلى ثلاثة أسطر فی بعض الأحیان، فإنه یغنی هو الآخر القارئ ویرشده إلى المقالة، بل إنَّ الشرح المختصر یفجِّرُ فی القارئ ینابیع المعرفة ویفتح عنده براعم الفکر مما یتیح له الکتابة فی القیم والمبادئ التی نادى بها الإمام الحسین(ع) على طریق خدمة البشریة.

ولا یخلو الکتاب من تراجم للکتّاب ونبذة عن سیرهم، لاسیما وأن کتبة المقالة على خلاف مؤلفی الکتب هم بکثرة کاثرة، مما یجعل بعض الأسماء متشابهة وهو ما یقتضی الفصل بین المتشابهات بشرح مختصر لهم، وقد سعى المؤلف فی هذا الطریق الاتصال بعدد غیر قلیل من الکتاب لاستحصال سیرهم الذاتیة، ومن المفارقات أن بعض العراقیین فضل التعامل بالاسم الثنائی فقط، واعتبر الاسم الثلاثی مع اللقب من مخلفات نظام صدام حسین الذی شدّد على الأسر العراقیة فی بعض الفترات إظهار مشجراتها النسبیة، وهی رؤیة تفتقر إلى الکثیر من الدقة، لأن الاسم الثلاثی واللقب یمثل شخصیة الکاتب، بخاصة وأن الکاتب المرموق یمثل تراثا للأمة فی حیاته وبعد رحیله بغض النظر عن طبیعة کتاباته واتجاهاتها، وعدم الافصاح عن سیرته یساهم من حیث یدری أو لا یدری فی طمس هویته وشخصیته، فنحن نعیب على المجتمعات الشرقیة بأنها لا تقدر العَلم فی حیاته، وإذا حاولت تقدیره وتکریمه فیکون بعد وفاته فی أحسن الفروض، ثم أن سلسلة الآباء والأجداد عُرف لم یأت به صدام حسین أو غیره، وإنما هو ما تسالم علیه العرب قبل الإسلام وبعده، وازداد التأکید علیه فی معرض بیان الروایة والسند.

ومن المؤسف أن بعض الکتَّاب یمتنع عن ذکر اسم والده عامداً، إمّا لأن الإسم غیر متعارف علیه فی الوسط العربی أو أنه یثیر سخریة البعض الآخر، أو أنه یشیر إلى قومیة أو ملّة أو مذهب لا یرغب الإفصاح عنها، ولیس هذا من الحکمة والإنصاف بمکان بخاصة إذا ارتفع المانع، لأن الإسم وإن کان یمثل هویة الإنسان، لکنه ابتداءاً غیر مسؤول عن وضعه، نعم یمکنه تغییره عندما یتولى أمره بیده، وهذه سنّة عمل بها النبی الأکرم محمد(ص)، وأکثر معاناة أصحاب الدوائر المعرفیة هو فی بیان سلسلة الأسماء الواردة فی مؤلفاتهم، ومنها (معجم المقالات الحسینیة) ولاسیما للأسماء المتأخرة.

وأتذکر هنا أن فی بعض المناسبات وأنا فی مسقط رأسی (کربلاء المقدسة) وصلتنی بطاقة تهنئة من شخص لا أعرفه، فالرسالة مقیدة باسمی الثلاثی (نضیر رشید حمید)، وعندما أمعنت فی الرسالة علمت أنها لجیرانی الذی یشارکنی فی الاسم الثلاثی دون اللقب، فهو من آل الطیار وأنا من آل الخزرج، على أن المعنی رحمه الله کان شابًّا مؤدبا ورزیناً اعتقل وأُعدم عام 1981م، فلو أن المرسل ألحق بالإسم الثلاثی اللقب لسهل على موظف مصلحة البرید الوصول إلى الشخص المعنی، فتشخیص الکاتب أمر مهم عند التوثیق المعرفی، واکتفاء الکاتب بالاسم الثنائی دون اللقب أو بالإسم واللقب دون الأب والجد لا یعفیه من المسؤولیة إذا ما تم تجاهله فی المعاجم والدوائر المعرفیة.

صرح شامخ

اعتاد المؤلف على وضع المعاجم وفق الحروف الهجائیة، مثل معجم المصنفات الحسینیة ومعجم الشعراء ومعجم الخطباء، فعلى سبیل المثال فإن الجزء الأول من معجم الشعراء اختص بقسم من حرف الألف فقط، إلا أنه فی (معجم المقالات الحسینیة) خرج على المألوف بأن ضم کل جزء الحروف الهجائیة کلها من عناوین المقالات، وهذا عائد للکم الهائل من المقالات وهی کثیرة للغایة ومتجددة فی کل یوم، وهذه الظاهرة بحد ذاتها حاکیة عن مکانة الإمام الحسین(ع) فی قلوب الناس من مسلم وغیر مسلم، وعن الأذى الذی لحق به مما جعله قبلة للأحرار.

وهذا الأمر هو الذی جعل استاذة جامعیة کالدکتورة سهام محمد السرابی أستاذة الأصول الفلسفیة والإجتماعیة للتربیة فی جامعة البتراء بعمّان (الأردن) القول فی معرض الحدیث عن الجزء الثانی من (معجم المقالات الحسینیة) أنه: (لم یتعرض أحد من أصحاب المبادئ فی تاریخ الإنسانیة لظلم وأذى کالظلم الذی تعرض له آل (أهل) بیت الرسول(ع)، فقد عاشوا حیاتهم بین الحبس والملاحقة وحملوا إلى مضاجعهم ضحایا للعقیدة، إذ لم یمت واحد منهم حتف أنفه، فمن لم یقتل بالسیف قتلوه بالسم).

ومن المفارقات کما تقرر الدکتورة السرابی وهی فی معرض بیان رأیها فی هذا الجزء: (أن ذلک الظلم الذی طالهم فی حیاتهم لاحقهم بعد الوفاة، فتجلى فی إهمال تراثهم الثر إهمالا متعمداً، وأعرض الکثیرون عن کنوزهم النادرة، وتعرض أنصارهم للإضطهاد والتشرید والقتل).

وتبدى صاحبة المقدمة أسفها لأن المراکز البحثیة تولی اهتماما بشخصیات أقل شأنا لکننا: (لا نجد باحثا أو مرکز بحث علمی تصدى لتوثیق مصادر الدراسة حول الحسین بن علی(ع) بینما تعددت القوائم الفهرستیة حول معظم الموضوعات)، بید أن الأمر تغیر منذ أن انبرى الفقیه الدکتور الشیخ محمد صادق الکرباسی بتألیف دائرة المعارف الحسینیة التی تربو أعدادها على الستمائة مجلد صدر منها حتى الیوم 67 مجلداً، فهو بذلک کما تؤکد الدکتورة السرابی: (قام – دام ظله الوراف- باتحاف المکتبة العربیة بکنز ثمین بموسوعته الشاملة والوافیة والکافیة عن الحسین بن علی علیه السلام)، بل أن معجم المقالات لذاته موسوعة کاملة کما تشیر الدکتورة السرابی: (استوعبت أهم ما کتب عنه- الإمام الحسین- لیضعها- الکرباسی- بین أیدی الباحثین فی مراکز البحث العلمی والجامعات، لتکون دلیلا لهم فی البحث والدراسة، والتی ستقدم ذخائر ثمینة للإنسان غیبت عنه مئات السنین فحرمت الحیاة من الخیر الکثیر، بالإضافة إلى سائر الأبواب الأخرى).

وأرى ما تراه الدکتورة السرابی: وحسب معجم المقالات الحسینیة إنه إذا لم یحز من الشرف إلا أنه جمع المقالات التی تناولت حفید رسول الله الحسین بن علی، ومن الفائدة إلا أنه یوفر على کل باحث الکثیر من الجهد والعناء لکفاه، حسبه بذلک رفعة وشرفا ومکانة.