دعم الموسوعة:
Menu

معجم أنصار الحسین (النساء) الجزء الثانی:

 

 

والقواریر یتسقَّطن النون خارج أبجدیة الرجل!

 

لطالما تغنى الیسار بتحریر المرأة ولطالما تغنى الیمین بالحریة واللیبرالیة ولطالما وقف التیار الإسلامی فی موضع الدفاع عن حقوق المرأة وهو یواجه تیارات الیمین والیسار الذی تتهم الإسلام بمعاداة المرأة وحقوقها، مما یعطی الانطباع المشکوک فی أصله فی أن دفاع الیسار والیمین ما هو إلا محاولة معلومة الأغراض لمحاصرة الإسلام فی عُقر داره عبر محاصرة دعاته، ولأن تحریر المرأة عنوان خطیر یمکن أن یجرها وراءه من کل اتجاه وتیار، فإن المحرکین الواقفین خلف الستار لا یألون جهدا فی رجم الإسلام بکل نقیصة لا لأنه یمارس الظلم بالضد بالمرأة وإنما هی محاولة لوضع العصی فی عجلته التی تزحف على القطاعات الإنسانیة خارج المحیط العربی والإسلامی، وإلا هل سألت المرأة المسلمة نفسها لماذا تتقبل المرأة الغربیة الإسلام وهی التی تعیش فی بحبوحة الحریة، فلماذا تتخلى عن حریة الغرب وتقید نفسها فی عبودیة الإسلام!

هذا التحول لدى المرأة الغربیة هو بحد ذاته یکسر عصا الآخرین، فالمرأة الغربیة هی أقدر من غیرها على إجراء مقارنة بین الأدیان والمعتقدات فی مجال الحریات، وبخاصة فی عدد غیر قلیل من البلدان الغربیة التی تدرس فی مدارسها الأدیان بأنواعها الأرضیة والسماویة مثل بریطانیا، فلو کان الإسلام یقید حریة المرأة لما أقدمت النساء الغربیات على التحول نحو الإسلام، ومن طبیعة الإنسان أنه یبحث عن حریته بوصفها عملیة فطریة تنبعث من ناموس الحیاة، ولیست عاقلة مَن تحبس نفسها خلف أسوار دین لا یحترمها ولا یقدر خصوصیاتها. بل إن المجتمع الغربی مبتلى بمرض فرار النساء من البیوت ففی إحصائیة حدیثة قدمتها الجمعیات الخیریة البریطانیة العاملة مع ملف المفقودین أشارت أنه تم منذ نیسان 2009 م حتى نیسان 2010 م الإبلاغ عن 330 ألف مفقودة ومفقود، وذلک بزیادة الثلث عن السنة التی قبلها (انظر جریدة مترو الیومیة –METRO- لندن، صفحة 5 بتاریخ 4/1/2011 م).

ولاشک أن القراءة المغلوطة للحریة هی التی تقلب الموازین فتجعل الرجل متسلطا والمرأة مغلوبة على أمرها، تکافح وتنافح الذکر من أجل إثبات ذاتها، ناسین أو متناسین أن حریة المرأة لا یعنی تساویها مع الرجل فی کل شیء جسمانیا ونفسیا ومعنویا، فکما أنَّ العدالة لا تعنی تساوی الجمیع فی الأجر أو تساوی المهندس والعامل فی العطاء، إذ من الظلم الفاحش تساویهما، فإن من الظلم حمل المرأة على ممارسة دور الرجل أو حمل الرجل على ممارسة دور المرأة لأن بعض الأدوار کینونیة ذاتیة لیس للعامل الخارجی دخل وهی تجری مجرى الخلقة الإنسانیة، ولذلک -وعلى سبیل المثال- تحتاج المرأة من الطاقة یومیا 2000 سعرة حراریة فی حین أن الرجل یحتاج إلى 2500 سعرة، وتستطیع المرأة أن تزید من السعرات بما یصل حجم سعرات الرجل أو أکثر ولکن بعد فترة سیصیب جسدها الترهل والسمنة، ویستطیع الرجل خفض السعرات الحراریة إلى مستوى المرأة أو أدنى ولکنه بمرور الزمن سیصاب بالضعف والهزال، فالعدالة الجسدیة والتوازن فی الهورمونات لکل من الذکر والأنثى لا یعنی التساوی فی تقبل الطاقة الحراریة، وعدم التساوی لا یعنی فضیلة لأحدهما على الآخر بقدر ما هی عملیة توازن فی الحیاة الدنیا قدرها رب العباد.

ولکن المرأة یصیبها ما یصیب الرجل فی المُلمات، فهی لیست بمعزلٍ عن طوارق الأیام وحوادثها، کما أن أنوثتها لا تعنی تقوقعها على ذاتها حتى وإن کانت تقوم اللیل وتصوم النهار، بل أن عددا غیر قلیل من النساء ممن یوصفن بالتقوى کان لهن دور کبیر فی الحیاة الیومیة، وبعضهن غیَّرن وجه التاریخ لأنَّ المرأة فی واقعها مدرسة لصناعة الأجیال، وهذه الحقیقة نلمسها بوضوح من خلال تتبع سیَر النساء اللواتی حضرن واقعة کربلاء عام 61 هـ وشهدن مصرع سید الشهداء وسید شباب أهل الجنة الإمام الحسین (ع)، وقد وضعنا البحاثة الدکتور الشیخ محمد صادق الکرباسی فی جانب من الصورة من خلال کتاب "معجم أنصار الحسین ..النساء" فی جزئه الأول، وفی الجزء الثانی الذی صدر حدیثا (نهایة 1431 هـ = 2010 م) عن المرکز الحسینی للدراسات بلندن فی 398 صفحة من القطع الوزیری یفتح لنا نوافذ على جوانب من الصورة، مما یجعلنا منبهرین أمام عظمة الإسلام الذی فتح مغالیق الأبواب أمام حریة المرأة لتأخذ موقعها الفاعل فی الشؤون الحیاتیة المختلفة.

خلط تاریخی

ولیس بخاف على أحد أن المرأة فی کثیر من البلدان لم تصل إلى مرحلة العدالة فی التعامل البشری، وهذه حقیقة مرة یؤکدها واقع الحال، وبخاصة فی مجال التعلیم، لأن التعلیم الناجح یرفع الکثیر من مشاکل الأمة، والأمة المتعلمة أمة حضاریة، والأمة التی یقتصر تعلیمها على الرجل أمة عرجاء، فالقیمومة فی أوسع مدیاتها هی مسؤولیة الرجل فی إدارة المنزل، أی أن القیمومة بحد ذاتها لیست شهادة فخریة وإنما مسؤولیة واقعیة ومن یفتقد شروط المسؤولیة ویسدر فی وادی اللا أبالیة تنتزع منه القیمومة، ومن لا یملک حق القیمومة المنزلیة ِمن باب أولى أنْ لا یملک هذا الحق خارج البیت.

وعند قراءتنا لسیرة النساء اللواتی ورد ذکرهن فی واقعة کربلاء نکتشف أمورا کثیرا ربما غیَّبتها أقلام وتیارات فکریة أرادت أن تمحو من ذاکرة الإنسان شخصیة المرأة المسلمة فی العهد الإسلامی الأول، وما نجده من قراءات مغلوطة عن الدور المقهور والمسلوب للمرأة هو فی واقعه جزء من الخلط المعرفی والتاریخی بین دورها فی العهد الجاهلی ودورها فی العهد الإسلامی، ومحاولة البعض وسم الممارسات البشریة بالإسلام، على الرغم من أن تعالیم الإسلام لم تکن وقفا على الرجل، وأن ممارسات النبی محمد (ص) وأهل بیته جاءت لتردم تلک الهوة التی أوجدتها الثقافة الجاهلیة بین الرجل والمرأة، بل الهوة الکبیرة التی خلقتها عهود من الثقافة الجاهلیة التی میزت بین امرأة وأخرى، فکان العربی یأنف الزواج من غیر العربیة، ویرفض الزواج من الإماء، وحتى یتم فکُّ هذه العقدة الجاهلیة، فإن الرسول وهو من أشرف الأنساب العربیة تزوج من ماریة بنت شمعون القبطیة المتوفاة سنة 16 هـ وهی أم ابنه إبراهیم، وأعتق صفیة بنت حیی بن أخطب بن سعید الإسرائیلیة المتوفاة سنة 50 هـ وتزوجها، واعتق زید بن حارثة القضاعی المستشهد فی مؤته سنة 8 هـ وزوّجه ابنة عمته بنت الحسب والنسب زینب بنت جحش المتوفاة سنة 20 هـ، وعلى خطاه سار أبناء فاطمة بنت محمد (ع).

لکن ثقافة الجاهلیة هی التی تسود فی بعض مراحل الحیاة، فیحل التخالف بدلَ التحالف، ویصبح بغض الآخر أنفة ورفعة!، وینقل لنا التاریخ أن حفید النبی محمد (ص) الإمام علی بن الحسین (ع) زوّج أمّه الحاضنة له بعد وفاة أمه فی نفاسها من أحد خدمه واسمه زید فأنجبت له عبد الله، ولما کانت الحاضنة بمثابة الأم فإنَّ الحاکم الأموی عبد الملک بن مروان (26- 86 هـ) کتب إلیه یلومه ویقول له: (إنک قد وضعت شرفک وحسبک)، فرد علیه الإمام السجاد (ع): "إن الله تعالى رفع بالإسلام کل خسیسة وأتم به الناقصة وأذهب به اللؤم فلا لوم على مسلم وإنما اللوم لوم الجاهلیة، وأما تزویج أمِّی فإنی إنما أردت بذلک برها"، ولأن الإمام السجاد ینطق عن القرآن وعن جده المصطفى (ص)، فإنَّ الحاکم عبد الملک بن مروان وقف لکتابه إجلالا وقال: (لقد صنع علی بن الحسین أمرین ما کان یصنعهما أحد إلا علی بن الحسین فإنه بذلک قد زاد شرفاً)، وفی بعض المصادر أنه قال: (إن علی بن الحسین یتشرَّف من حیث یتضع الناس).

ولأن الناس بعد فترة من رحیل النبی (ص) قد نسوا سنته صلوات الله علیه وآله فی الزواج من غیر الحرات فی مفهوم ذلک الزمان، فإن أهل المدینة کانوا یکرهون الزیجات المختلطة، وقد انقلب الحال ولو بشکل جزئی بخاصة بعد أن ظهر فی المدینة المنورة ثلاثة من الرجال وهم الإمام علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب الهاشمی (ع) (33- 92 هـ)، والقاسم بن محمد بن أبی بکر التیمی (37- 107 هـ)، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوی (ن 35- 106 هـ)، فالأول هو الإمام الرابع من أئمة المسلمین، والثانی هو أحد الفقهاء السبعة فی المدینة المنورة، والثالث من فقهاء المدینة السبعة الذین یشار إلیهم بالبنان، وهؤلاء الثلاثة على بعض الروایات هم أولاد خالة، وأمهاتهم بنات الملک الإیرانی یزدجرد بن شهریار الساسانی المتوفى سنة 30 هـ، فالعلوی والبکری والعمری کلهم لجد أمّی واحد، وکان ظهورهم فی المدینة قد أعاد ولحد ما التوازن إلى المجتمع العربی الذی کان ینظر بعین الدونیة إلى المرأة غیر العربیة، وقد اشتهر فی التاریخ: أن أهل المدینة کانون یکرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فیهم علی بن الحسین والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ففاقوا الناس فقهاً وورعاً فرغب الناس فی السراری.

ورغم أن الدکتور الکرباسی لا یوافق هذا الرأی الذی یذهب إلیه أرباب التاریخ على اعتبار أن النکاح من الإماء کان قائما منذ عهد الرسول محمد (ص) وبدأ به (ص) أولاً، ولکنی أرى أن الردة عن الإسلام والرجوع إلى ثقافة الجاهلیة سرت فی المجتمع العربی المسلم فی القرن الأول الهجری کما یؤکدها بعض النصوص والوقائع التاریخیة، وما قام به أبناء الخلفاء الثلاثة کان محاولة ذکیة من الإمام علی (ع) کما فی مظان الروایة لإرجاع الأمَّة إلى سابق ثقافتها الإسلامیة فی التعامل مع الجنس البشری دون تمییز.

ومن المفارقات المؤلمة أن هذه الثقافة لازالت قائمة إلى الیوم فی عدد غیر قلیل من البیوتات العربیة وغیر العربیة، فالعربی لا یزوج أو یتزوج من غیر العربیة، وبالعکس، على أن هذه الثقافة تکثفت وتأصلت حتى وصل الأمر إلى الإمتناع عن التزاوج لأسباب مناطقیة أو جغرافیة أو مذهبیة، ولذلک ساهمت الهجرات القسریة والطوعیة للمسلمین على مر التاریخ وبشکل کبیر فی إذابة جلید الثقافة الجاهلیة.

ومن غریب المفارقات التی یناقشها الکتاب وهو یتعرض إلى شخصیة بنات الملک الفارسی یزدجرد اللواتی أسرن فی عهد الخلیفة عثمان بن عفان (13-35 هـ)، أن الثقافة الجاهلیة حاولت أن توصم شیعة أهل بیت النبی محمد (ص) بالفارسیة تعویلا على زواج الإمام الحسین بن علی (ع) من السیدة شاه زنان بنت یزدجرد الساسانیة المتوفاة سنة 33 هـ وأنجبت له علیاً وهو عربی هاشمی وجده الحاکم الرابع بعد النبی محمد (ص)، مع أن إحدى شقیقتیها تزوجت من محمد بن أبی بکر وأنجبت له القاسم وهو عربی تیمی وجده أول حاکم بعد النبی محمد (ص)، والثانیة تزوجت من عبد الله بن عمر وأنجبت له سالماً وهو عربی عدوی وجده ثانی حاکم بعد النبی محمد (ص).

وهذه المفارقة تشبه إلى حد بعید المفارقة القائلة أن معاویة بن أبی سفیان المتوفى سنة 60 هـ هو خال المسلمین دون غیره لکون النبی محمد (ص) تزوج من خالته أم حبیبة رملة بنت أبی سفیان المتوفاة سنة 44 هـ ، فالثقافة الأمویة أوقفت الخؤولة على معاویة وحجبتها عن محمد بن أبی بکر (10- 38 هـ) وهو شقیق عائشة بنت أبی بکر زوج النبی المتوفاة سنة 57 هـ، ومن المؤلم أنه قتل بأمر من معاویة بن أبی سفیان حیث کان والیا على مصر لخلیفة المسلمین الإمام علی (ع) وقبره فی القاهرة.

ولا شک أن الأثر الإیجابی الذی ترکه زواج أبناء الهاشمی والتیمی والعدوی من بنات یزدجرد الساسانی، ترک الأثر مثله زواج فاطمة بنت الحسین بن علی (51- 117 هـ)- وهی ممن حضر کربلاء- من الحسن المثنى بن الحسن بن علی (39- 92 هـ) ومن بعده عبد الله المطرف بن عمرو بن عثمان بن عفان المتوفى سنة 96 هـ، فالزواج من العلوی ومن ثم العثمانی ساهم فی نشر الحدیث النبوی ولذلک تکثر الروایة عنها فی کتب الحدیث کما أنَّ أولادها أسسوا دولة لهم، ولذلک یقرر الشیخ الکرباسی: (أن أنجالها کان لهم الدور البارز فی نشر أخبارها وروایاتها والفرصة کانت سانحة لهم حیث أن أبناء الحسن المثنى کانوا حسنیین وهم حکموا بلاد المغرب وکان أولهم الأدارسة وکان لا یزاحمهم هناک أحد ولم یعیشوا الإضطهاد فی المغرب العربی، ومن جهة أخرى فإن أبناء عبد الله المطرف کانوا عثمانیین وهؤلاء لم یعیشوا فی مأزق کما عاش الحسینیون فی المشرق العربی، فکلاهما نشروا مآثر أمهم).

نقلة معرفیة

لأن المرأة هی الحاضنة للبشریة، فإنها حلقة الوصل بین المجتمعات، بل أن عددا غیر قلیل من الحروب التاریخیة والصراعات القبلة والعرقیة والدینیة وأمثالها أطفأتها زیجة بین المتخاصمین، فالمصاهرة عامل مساعد على إطفاء نار الأحقاد، على أن الهجرات التی وقعت فی التاریخ الإسلامی من الدول الإسلامیة باتجاه الخارج سببتها حروب مذهبیة کانت عاملا من عوامل انتشار الإسلام، وفی الوقت نفسه من دوافع المصاهرة والمعاشرة، وبالطبع فإن الهجرة تترک هی الأخرى أثراً سلبیا، وبخاصة عندما یصبح المسلمون فی بلدان بعیدة عن العاصمة الإسلامیة عرضة لحروب دینیة تجبرهم على تغییر هویتهم الدینیة تحت حد القتل کما حصل فی الأندلس وغیرها من الدول الأوروبیة أثناء الحروب الصلیبیة.

ومن محاسن البحث الذی أجراه المحقق الکرباسی لبیان هویة وشخصیة نساء کربلاء، أنه اکتشف أمورا جدیدة کانت غائبة عن الآخرین، بل أستطیع الجزم أنه تفرد فی اکتشاف ما لم یقع علیه علماء الإسلام خلال أربعة عشر قرنا، فقد اکتشف وجود أسر کاملة فی أمیرکا وبعض الدول الاسکندنافیة تعود فی جذورها إلى أسر عربیة وبعض الأسر تنتسب إلى أهل البیت (ع)، وجاء هذا الاکتشاف من خلال البحث عن شخصیة شاه زنان وهی زوجة الإمام الحسین (ع)، فمن طبیعة البحث الذی یقدمه الشیخ الکرباسی فی هذا المعجم أنه یذکر نسب المرأة المعنیة من الأب والأم، ولما کانت معظم الأقوال تذهب أن شاه زنان هی ابنة الملک الساسانی یزدجرد، لکن الأقلام توقفت عن ذکر نسب أمها، وحین لم یهتد المؤلف إلى النسب من کتب السیر والتاریخ التی تزخر بها المکتبة العربیة والإسلامیة فإنه استعان بالمشجرات الأجنبیة، واستطاع بعد جهد جهید أن یصل إلى نسب زوجة الإمام الحسین (ع) من أمها عبر مشجرة أمیرکیة تعود بجذورها إلى ما قبل العهد الإسلامی وحتى یومنا هذا.

والمفاجأة فی هذا الاکتشاف أن بعض المشجرات الغربیة تحکی عن نسب هاشمی لبعض الأسر، والمفاجأة الأخرى أن أسماء الجدود تتحول إلى أسماء عربیة کلما اقتربنا بالمشجرة إلى القرون الهجریة الأولى، مما یعنی أن هذه الأسر تعود بجذورها إلى قبائل عربیة وقریشیة، لکن تقلبات الأحوال والأزمان أبعدت أجدادهم خارج حدود الدولة الإسلامیة آنذاک، فالحدیث لیس عن هجرات قریبة فی القرن الرابع عشر الهجری أو الذی قبله وإنما عن هجرات فی القرون الهجریة الأولى، وبذلک استطیع القول أن الفقیه الشیخ محمد صادق الکرباسی هو أول باحث إسلامی یسترشد بمشجرات النسب فی الدوائر الأمیرکیة والأوروبیة لاستحصال معلومات فی علم الرجال لشخصیات إسلامیة فضلا عن شخصیات غیر إسلامیة، وهو بذلک یفتح الطریق أمام علماء الحدیث والرجال للإستعانة بالمشجرات الغربیة ومصرف المعلومات لدى الآخر لسد الفجوات فی المعلومات الناقصة لبعض الشخصیات نساءاً ورجالاً، ولاسیما وأن المشجرات الغربیة تتحرى شجرة النسب من الأم والأب عمودیا وأفقیا، وبالطبع هذا لا یمنع من البحث والتحقیق والتثبت.

بین الحقیقة والدراما

لأن ما حصل فی کربلاء عام 61 للهجرة کان ملحمة بطولیة، فإن وقائع هذه الملحمة التی أعادت للإسلام حیاته، شابها الغلو والوضع ومحاولات البعض تحت مدعى الولاء إلصاق ما لیس منها، کما أن بعض الأقلام الأدبیة استفادت من قوة قلمها وأدبها فی صیاغة قصص أقرب إلى الخیال منها إلى الواقع مستغلة حب الناس إلى سماع ما حصل لأسرة نبیهم محمد (ص) من مصائب، فدبجت القصص الوهمیة أو أنها استفادت من حدث حقیقی فی خلق القصص حوله وبمرور الزمن صار بعضها المختلق عند العامة حقائق، وإذا أراد المنصف والمحقق إرجاع الحدث إلى مساره الواقعی اتهم بالمجافاة لأهل البیت (ع) أو محاولة طمس الحقائق بنظرهم.

ولأن قلم المحقق ینکسر على أضلاعه ولا یحید عن الحقیقة إذا اکتشفها لکون الحقیقة ضالته، فإن المحقق الکرباسی یجاذب الحدث معرفیا من کل الأطراف قبل أن یتحالف معه أو یتخالف، حتى وإن کان ما توصل إلیه خلاف ما هو مشهور، لأن الذین سبقوه رجال لم یبلغوا العصمة، یصیب قلمهم ویخطئ، فبعض القصص التی تتداولها کتب التاریخ حول شخصیات ورد ذکرها فی إطار واقعة کربلاء یشم منها رائحة الوضع، ولذلک لا یألوا جهدا فی القول على سبیل المثال: (ومن الواضح أن هذه الروایة هی أشبه بقصص القصاصین وحکایة الحکواتی، وفیها ما یدل على الوضع..).

ومن آفة الکتاب المتأخرین أنهم یستخدمون بعض الأسماء الأجنبیة والأخذ عنها وتسویقها للعالم العربی أو الإسلامی على أنهم مستشرقون، وعند التقصی تَکلُّ أداة البحث عن العثور على هؤلاء المستشرقین الذین ینقلون الحدیث الحسینی لصالح أنظمة سیاسیة أو تیارات قومیة یراد أن یکون لها من حدث کربلاء نصیب، فعندما یقف المؤلف على قصة ذات علاقة بالحدث الکربلائی یذکرها کتاب "إمام حسین در إیران" أی (الإمام الحسین فی إیران) نقلا عن مستشرق مزعوم، یقرر أن المستشرق: (لم نتمکن من التعرف علیه، وربما کان من أساطیر المؤلف الذی عرف نفسه بالمترجم)، والکتاب المشار إلیه مذکور على ألسنة مستشرقین وهو أشبه بالأساطیر منه بالحقائق، ویرى أن النصوص التی وردت فی هذا الکتاب وأشباهه: (اختلقها المغرضون وتلقفها القومیون من جهة والطائفیون من جهة أخرى للطعن فی الإسلام وقیاداته فلابد من الحذر فی التعامل معها).

وعلى مثل هذا وقف المؤلف من کتاب "غادة کربلاء" للأدیب اللبنانی جرجی بن حبیب زیدان (1278- 1332 هـ) الذی یتحدث عن سلمى بنت حجر الکندیة المتوفاة بعد عام 64 هـ، فالروایة تتحدث عن بطولات لسلمى الکندیة لها علاقة بحدث کربلاء عام 61 هـ، ولکن التحقیق جعل العلامة الکرباسی یرد قصة زیدان ویرى أن الشخصیات التی ذکرها هی: (من خیال جرجی زیدان) وهی: (من نسیج زیدان) وأنَّ: (کل ذلک یزیدنا تشکیکاً فی أصل الروایة مما لا یمکن اعتمادها ولا بشکل من الأشکال) فما جاء به جرجی زیدان لا یعدو أن یکون: (روایة، ولا صحة لها وقیمتها قیمة أدبیة فحسب)، ویقال مثل هذا فی بعض الدراما التلفزیونیة والسینمائیة فمعظمها من نسج خیال المخرج الذی یراهن على شد ذهن المشاهد حتى ولو جاء الإنتاج على حساب الحقیقة التاریخیة.

مقدمة نسائیة

یعتبر الحدیث عن دور للمرأة فی النهضة الحسینیة وفی عموم الحرکة الإسلامیة عبر التاریخ، حدیث عن حقیقة قائمة، صحیح أن القتل والقتال کُتبا على الرجال دون النساء، ولکن التفصیل الذی أورده المؤلف فی هذا الجزء وفی الجزء الأول عن نساء حضرن کربلاء یحکی عن عظیم أفعالهن التی وصلت إلینا بعد أربعة عشر قرنا.

والنساء اللواتی جاء ذکرهن فی الجزء الثانی هن: أم أحمد بن عقیل الهاشمی،أم الحسن بنت علی الهاشمیة، أم قاسم بن محمد الطیار، أم محمد بن أبی سعید الهاشمی، خلیلة والدة عبد الله الهاشمی، الخوصاء بنت عمرو الهصائیة، سکینة بنت الحسین الهاشمیة، سکینة بنت علی الهاشمیة، سلافة مربیة الإمام السجاد، سلمى بنت حجر الکندیة، سلمى أم رافع القبطیة، شاه زنان بنت یزدجر الساسانیة، صافیة (أم فاطمة) الزنجیة، صفیة بنت علی الهاشمیة، الصهباء بنت عباد الثعلبیة، عاتکة بنت الحسین الهاشمیة، عاتکة بنت زید العدویة، عاتکة بنت مسلم الهاشمیة، غزالة أم عبد الله أمة السجاد (ع)، فاطمة بنت علی الهاشمیة، فاطمة بنت الحسن الهاشمیة، وفاطمة الصغرى بنت الحسین الهاشمیة.

ومن محاسن الصدف أن المقدمة الأجنبیة التی تمیزت بها أجزاء دائرة المعارف الحسینیة فی آخر کل جزء من أجزاء الموسوعة التی بلغت حتى یومنا هذا 64 مجلداً جاءت هذه المرة أنثویة کتبتها البروفیسورة سیدة زینب البنغالیة الأستاذة فی جامعة بنغلادیش حیث قدمت للکتاب وباللغة البنغالیة، ورأت أن: (الإمام الذی تدور هذه الموسوعة حول معارفه وشخصیته وآفاق نهضته هو أحد هذه القِمَم التی أخذت طریقها إلى الجلاء فی أعلى صورها فی عالم لم یعد للخفاء وطمس الحقائق مبررٌ ولا موجب، فکانت هذه الموسوعة إحدى معالم هذا الظهور والتی أخذت على عاتقها بیان عظمة هذا الإمام الذی لا یمکن الإحاطة بکل جوانبه إلا بدراسة متواصلة ومتأصلة)، مؤکدة أن اتساع حجم الموسوعة الحسینیة: (یدل على أمرین: الأول: سعة أفق هذا الإمام العظیم بحیث لا یحصر بعامل الزمان ولا بحدود المکان بل ضربت أطناب خیمته فی جذور التاریخ وعلى مساحة الفضاء المفتوح لیسع کله ولا یستثنی قومیة ولا ملّة، بل ولا یقتصر على دین أو مذهب.. الثانی: قدرة سماحة المؤلف وتمکّنه من الموضوع والإحاطة بالأهداف السامیة التی وضعها الإمام الحسین علیه السلام لتظهر جلیة فی مشروع موسوعة مترامیة الأطراف ومتعددة الجوانب والأبواب).