دعم الموسوعة:
Menu

 

معالم تاریخیة ناطقة بلسان التعددیة المذهبیة

 

لا ینفک المرء عن تاریخه کفرد وکأسرة، لان الحاضر هو من تراکمات الماضی والمستقبل من تفاعلات الحاضر، وهذه سلسلة حیاتیة جبل علیها البشر منذ أبی بشریتنا الحاضرة آدم(ع) وحتى انتهاء حیاتنا الدنیا، والقائل خلاف ذلک إنما یغالط نفسه، صحیح أن المرء من قال ها أنا ذا ولیس القائل قد کان أبی، ولکن التأثیر قائم فی المرء عن أجداده ومستمر فی أحفاده.

فالأمة حالها حال الفرد لا تتخلف عن رکب التأثیر والتأثر فی داخلها وخارجها، لأن حیاة الأمم ما هی إلا هی صورة خارجیة لمجموع حیوات الأفراد، والصورة یمکن قراءتها ورؤیتها کوحدة واحدة وبالإمکان قراءتها کأفراد وجزئیات، والنتیجة لا تختلف لأن الإنسان الفرد إبن أمته وبیئته.

والأمة کفرد أو کمجموع تعرف بتاریخها، والتاریخ ملیء بالتجارب الطیبة والمرة، والقراءة الواعیة المنفتحة على الحاضر والمستقبل تتحقق من خلال تذکر الخیر والشر حتى یتحقق التوازن فی مسیرة الفرد والأمة، لأن التجارب السیئة عبارة عن تراکم للخبرات ومثلها التجارب الناجحة، والصفحات السود من تاریخ الفرد والأمة مرآة وإن تقاطعت خطوط الصورة وتفحَّمت، فالأمة الناجحة هی التی تمسک فرشاة التغییر والتجدید ترفع عن حاضرها ومستقبلها الخطوط السود، ولا تحاول أن تزوّق تاریخها بما لیس فیه أو أن تغطی علیه لتعمیة الأجیال، فالمرء مهما دارت به عجلة الزمن سیکتشف ملامح التاریخ وحقائقه، وإذا لم یتم اطلاعه تحت مدعى غسیل المخ، فان ردة فعله ستکون شدیدة إذا ما اکتشفها بنفسه، ولذلک فالأمة الناجحة هی التی تطلع أبناءها على تاریخها بنوره وظلامه، بخیره وشره، بل أن بعض الأمم تحرص على تذکیر أبنائها بما فعل الآباء أو بما حلَّ علیها من فعل الأغیار حتى تتحصن من تداعیات الإعیاء وتتجنب استنساخ الأخطاء.

وتقرأ الصورة التاریخیة عبر صفحات الکتب مرة ومرة عبر الشواهد الباقیة من آثار ومشاهد ومراقد، والأخیرة أکثر وقعا على القلب وأرکز ثباتا فی الذاکرة، لأن العین حینئذ هی التی ترى بعین البصر والعقل هو الذی یرى بعین البصیرة، وإذا اجتمع البصر والبصیرة تحقق فی الفرد والأمة الفعل والإنفعال والتفاعل وفق مستویات تحددها قابلیة المرء على التعاطی مع الحدث التاریخی بفؤاد منفتح أو قلب منغلق، ولذلک حینما نقف أمام معلم تاریخی نطیل فیه النظر ونمعن فی تفاصیله وجزئیاته علنا نکتشف ما غاب عن غیرنا رغم أن المعلم قائم للقاصی والدانی، للقریب والغریب.

من هذه الکوة تأتی أهمیة المراقد والمشاهد والمقامات والمعالم التاریخیة المتوزعة فی بقاع الأرض، فهی تاریخ حی له قلب وقدم وید وفم، یسیر إذا عسعس اللیل ویمشی إذا تنفس وجه الصبح، ومن هنا تأتی أهمیة الجهد الذی یبذله البحاثة الدکتور الشیخ محمد صادق الکرباسی وهو یمیط اللثام عن المعالم التاریخیة والشواهد القائمة المتعلقة بالنهضة الحسینیة، لأن الحدیث عن النهضة الحسینیة حدیث عن إنعطافة تاریخیة وقعت عام 61 للهجرة ولازلنا إلى یومنا هذا نعیش تأثیرها فی نهضات إسلامیة وحرکات إنسانیة ترى فی الإمام الحسین بن علی (ع) الإنسان الحر الذی یرفض العبودیة، الإنسان الذی یرید الخیر لأعدائه قبل أنصاره، الإنسان الذی یمشی إلى موته من أجل حیاة قومه، والقوم فی قاموس الإمام الحسین(ع) هم البشریة جمعاء من مسلم أو غیره، ولذلک حینما نتنقل بین 470 صفحة من القطع الوزیری انطوى علیها الجزء السادس من "تاریخ المراقد .. الحسین وأهل بیته وأنصاره" الصادر حدیثا (2011م) عن المرکز الحسینی للدراسات بلندن، إنما نتحرک بین شواهد شامخة تذکرنا بالأجداد تجعل تراثهم کتابا مفتوحا نفرج عن أساریرنا عند منعطف ونذرف دمعة عند أخرى، ونحن فی الحالتین نستلهم العِبرة والعَبرة.

حواریة قاهریة

فی نیسان (أبریل) عام 2010م کنت مع أسرتی فی رحلة سیاحیة للقاهرة الفاطمیة الغناء بالمعالم التاریخیة، وفی کل مرة کانت محطتنا النهائیة عند حی الحسین ومسجد رأس الحسین (ع)، فهذه المنطقة المکتظة بحرکة الناس والسیاح هی من المناطق المحببة على النفس، فهی تاریخ ناطق یمشی على رجلین بروحه ونفسه، ولأن العمارة الإسلامیة وتاریخها هی جزء من اهتمامی کباحث مشارک فی دائرة المعارف الحسینیة، فقد کان لی حوار مفید مع الدکتور الشیخ السعید محمد بن محمد إمام مسجد رأس الحسین(ع) حول عمارة المسجد وتاریخ بنائه وتجدیده وزخارفه ونقوشه وکتیباته.

وفی هذه الأثناء کان أحد الموظفین یرمقنی وقد شدَّه اهتمامی بالمسجد فأخذنی بعد فترة عند إحدى زوایا المسجد وبدأ یوجه لی مجموعة من الأسئلة ظاهرها استفهامیة وباطنها اتهامیة مما توحی أنه موظف غیر عادی له مسؤولیات غیر دعویة أو إرشادیة، وکان من جملة الأسئلة التی عرضها بطریقة استفزازیة عن رأینا بعائدیة مرقد السیدة زینب الکبرى فی القاهرة، فقلت له: حسب ما توصل إلیه المحقق الدکتور محمد صادق الکرباسی صاحب الموسوعة الحسینیة فإن المرقد القائم أمامنا فی الطرف الآخر من الشارع العام هو للسیدة زینب الکبرى (ع)، فاستغرب لجوابی، فقال مندهشاً: ولکنکم تقولون غیر ذلک وأن مرقد السیدة فی دمشق؟، فقلت له: سألتنی عن رأی صاحب دائرة المعارف الحسینیة فأجبتک، ثم واجهنی بسؤال استنکاری آخر: ولکنکم تقولون أن رأس الحسین (ع) غیر مدفون فی القاهرة؟، قلت له لم أقف على رأی المحقق الکرباسی فی هذا الخصوص حتى الآن، ولکن الثابت عندنا أن الرأس الشریف هو فی کربلاء المقدسة، وما موجود هنا أو فی دمشق أو فی عسقلان بفلسطین أو فی غیرها إنما هی أقوال وروایات ومعظمها مشاهد ومقامات ولیست مراقد ومثاوی للرأس.

تعددت الأسئلة التی لا تخرج فی معظمها عن بدعة "المد الشیعی" الذی کان یحذر منه الرئیس المصری السابق حسنی مبارک الذی ترک الحکم مرغما فی 11/2/2011 بسبب ثورة الشباب المصری، ولکنی الیوم أتذکر ذلک الحوار وأنا أتصفح الجزء السادس من کتاب "تاریخ المراقد .. الحسین وأهل بیته وأنصاره" حیث استقلت معظم صفحاته للحدیث عن رأس الإمام الحسین (ع) الذی احتز من جسده الطاهر یوم 10 محرم 61هـ وطیف به فی البلدان لأیام وأسابیع، فترک فی کل موضع مقاماً ومشهدا تهفو إلیه قلوب العاشقین من کل حدب وصوب ومن کل مذهب ودین، وقد عدها المحقق الکرباسی سبعة عشر موضعا تتوزع على المدن التالیة: بالس (سوریا)، بعلبک (لبنان)، البقیع (الحجاز)، حلب (سوریا)، حماة (سوریا)، حمص (سوریا)، حنانة (النجف- العراق)، دمشق (سوریا)، الرقة (سوریا)، عسقلان (فلسطین)، القاهرة (مصر)، کربلاء (العراق)، مرو (إیران)، معرة النعمان (سوریا)، الموصل (العراق)، النجف (العراق)، نصیبین (ترکیا).

وقف الباحث على کل موضع شرحا وتحقیقا مع الصور، وانتهى به المطاف البحثی إلى أن الرأس الشریف دفن فی کربلاء یوم 20 صفر عام 61هـ اعتمادا على روایة الشیخ الصدوق محمد بن علی بن بابویه المتوفى سنة 381 للهجرة ذلک بأن الإمام السجَّاد علی بن الحسین(ع) حمل رأس أبیه مع الأسرى إلى کربلاء ودفنه فیها: (أما التفاصیل فلا نعلم عنها شیئا وإن کان المتیقن أنه لم ینبش قبر أبیه وربما دفنه فی الجهة الغربیة من الرأس أی من الجهة التی یجب أن یکون لو لم یکن قد حز من بدنه دون أن یلصقه به ولعله على بعد ذراع حیث لا یمسه بدنه).

وفی الواقع أن الرأس أینما کان فهو شاهد على مرحلة مفصلیة هامة کادت البشریة أن تذهب فی دوامة من الغیبوبة لولا الشهادة الحمراء، ولکن بالقطع أن الإمام الحسین(ع) موجود فی قلب کل إنسان حر یعمل من أجل صالح المجتمع بغض النظر عن الدین والمعتقد والجنس، ولنعم قول أبی بکر عطاف بن محمد الآلوسی المتوفى فی الموصل سنة 557 للهجرة من مجزوء الکامل:

لا تطلبوا رأس الحسین *** بشرق أرض أو بغرب

ودعوا الجمیع وعرجوا *** نحوی فمشهده بقلبی

أو قول الفلوجی مهدی بن عمران الحلی المتوفى سنة 1938م من بحر الکامل مباریا الآلوسی:

لا تطلبوا رأس الحسین فإنه *** لا فی حمى ثاوٍ ولا فی وادِ

لکنما صَفْوُ الولاء یدلکم *** فی أنه المقبور وسط فؤادی

أو قول المؤلف الشیخ الکرباسی المولود فی کربلاء المقدسة عام 1947م من مجزوء البسیط المخبون:

إن رمتَ رأس الحسین عاشقاً *** فاقصد فؤادی تجدهُ بارقا

لا تبحثوا عنه منذ فارقا *** طافوا بقلبی فظلَّ عالقا

من الثابت أن رأس الحسین (ع) لم یکن أول رأس حُزَّ فی تاریخ الإسلام، فقد سبقه إلى ذلک رأس مالک بن نویرة التمیمی الذی قتل عام 12 للهجرة على الولاء، کما أن رأس الحسین (ع) لم یکن أول رأس یُطاف به فی البلدان فقد سبقه إلى ذلک رأس الصحابی عمرو بن الحمق الخزاعی المستشهد على الولاء سنة 50 للهجرة، کما أن رأس الحسین (ع) لم یکن أول رأس ینصب على الرمح فقد سبقه إلى ذلک رأس حجر بن عدی الکندی المستشهد على الولاء سنة 51 للهجرة، کما أن رأس الحسین (ع) لم یکن أول رأس حُزَّ فی تاریخ النبوة والإمامة فقد سبقه إلى ذلک رأس النبی یحیى بن زکریا(ع) المستشهد على التوحید سنة 610 قبل الهجرة، ولکن من الثابت أنه لا یوم کیوم الحسین (ع) فی عرصات کربلاء.

عمارة وتعددیة مذهیبة

لم تکن الهندسة المعماریة أرقاما وقیاسات، ولا ینبغی أن تتوقف على ذلک، فهی ثقافة قبل أن تکون عمارة وبناء، لأن البناء یعکس فی بعض جوانبه ثقافة القریة أو البلدة أو المدینة، وفی کثیر من الأحیان تعبر العمارة عن عقیدة الوضع القائم من سلطة ومجتمع، فهناک تداخل کبیر بینهما، وبخاصة فی المنشئات ذات العلاقة المجتمعیة، ولذلک تعتبر الآثار التاریخیة بوصلة یستطیع علماء الآثار من خلالها التعرف على مسیرة الأمة ضمن حرکة دورة الحیاة. وتحرص الحکومات، وبخاصة فی البلدان التی تحکمها العقیدة الدینیة، أن تترک آثارها وثقافتها على واجهات الأماکن الدینیة، ولذلک قد تجد فی المعلم الدینی الواحد ما یشیر إلى تعدد فی المذاهب الإسلامیة التی مرت على هذا البلد وتنوع حکوماته.

ومن خلال تتبع المقامات والمشاهد والمراقد التی ترکها الرکب الحسینی خلال مسیرة الأسر عام 61هـ انطلاقا من کربلاء نحو الکوفة ومنها إلى دمشق وبالعودة إلى کربلاء ومنها إلى المدینة المنورة، والتی تابعها البحاثة الکرباسی بعین المحقق الثاقب نلحظ مثل هذا التنوع المذهبی الذی شهدته هذه المدینة الإسلامیة أو تلک خلال القرون الأربعة عشر، بل أن العقیدة تدخل فی نوعیة الهندسة البنائیة ولیس فی نقوش ورسوم وخطوط فحسب، فعلى سبیل المثال فإن القبة الحسینیة فی کربلاء فتح لها عام 1297هـ سادنها السید جواد بن حسن بن سلمان آل طعمة الذی تولى السدانة فی الفترة (1292- 1309هـ) اثنی عشر شباکاً للتهویة وذلک تیمنا بالأئمة الإثنی عشر الذین قال فیهم النبی الأکرم محمد: (إن هذا الأمر لا ینقضی حتى یمضی فیهم اثنا عشر خلیفة کلهم من قریش) صحیح مسلم: 4/175، وفی روایة (کلهم من بنی هاشم) ینابیع المودة للقندوزی الحنفی: 533، وفی روایة: "معاشر أصحابی من أحب أهل بیتی حشر معنا ومن استمسک بأوصیائی من بعدی، فقد استمسک بالعروة الوثقى" فقام إلیه أبو ذر الغفاری فقال: یا رسول الله کم الأئمة بعدک قال: "عدد نقباء بنی إسرائیل"، فقال: کلهم من أهل بیتک؟ قال: " کلهم من أهل بیتی تسعة من صلب الحسین والمهدی منهم" بحار الأنوار: 36/310.

ومن قبة الإمام الحسین (ع) فی کربلاء ننتقل إلى قبة مقام رأس الحسین فی المسجد الأموی بدمشق حیث فتح منه ثمانیة شبابیک للتهویة والاستنارة تخللها من الداخل الأسماء التالیة: الله، محمد، أبو بکر، عمر، عثمان، علی، حسن، حسین.

وعلى بعد أمتار من هذه القبة تقع "قبة النسر" القائمة فوق دکة أسارى أهل البیت(ع) فی المسجد الأموی بدمشق حیث یمکن من الداخل مشاهدة ثمان دوائر متساویة الأحجام متوازیة الأبعاد کتب فیها بالخط الأسود الأسماء الثمانیة نفسها.

وفی حلب بسوریا حیث مشهد رأس الحسین نجد فوق المشبک الفلزی (الضریح) قطعاً حزامیة وضعت فی أطر ذات قاعدة إحداها حمراء وأخرى زرقاء بلغ عددها أربعة عشر بعدد المعصومین الأربعة العشر: النبی الأکرم محمد (ص) وبضعته فاطمة الزهراء والأئمة الإثنا عشر(ع).

وعند تجدید بناء المشهد الحسینی نفسه فی حلب تم إعادة وضع الکتیبة الغازیة التی تعود إلى عام 596 للهجرة والتی نصبها ملک حلب غازی بن یوسف الأیوبی (568- 613هـ) عند تعمیره المشهد وجاء فیها: (اللهم صل على سیدنا محمد وعلى آل محمد وسلم ورضی الله عن أبی بکر وعمر وعثمان وعلی ورضی الله عن أصحاب رسول الله أجمعین).

وفی أواخر القرن العاشر الهجری أعید للمشهد الحسینی بحلب ما کان على عهد سیف الدولة علی بن عبد الله الحمدانی (303- 356هـ) حیث کتب على جانبی المدخل أسماء خلفاء النبی محمد (ص) وجاء النص من الیمین کالتالی: (بسم الله الرحمن الرحیم، اللهم صلى على محمد النبی وعلی الوصی والحسن المسموم والحسین الشهید المظلوم وعلی زین العابدین ومحمد الباقر علم الدین وجعفر الصادق والأمین)، ومن الیسار التالی: (وموسى الکاظم الوفی وعلى الطاهر الرضا، ومحمد البر التقی، وعلی الهادی النقی، والحسن العسکری، وصاحب الزمان الحجة المهدی..)، ولازالت الکتیبة قائمة حتى یومنا هذا.

وهکذا فالناظر إلى العمارة الإسلامیة وما فیها من نقوش وکتابات یکتشف التنوع المذهبی الذی مرت به المدینة الإسلامیة، وفی الوقت نفسه یکتشف التأثیر الذی ترکته عقیدة الحاکم على العمارة الإسلامیة، فاصطبغت الهندسة المعماریة بعقیدة السلطان ومذهبه، وهی فی الوقت نفسه تقدم إشارات تاریخیة طیبة عن مراحل التطور العمرانی وبیان لنوعیة الحکومات وتأثیراتها على العمارة والهندسة.

شواهد تتنفس

ما یمیز المحقق الکرباسی أنّ کتاباته غیر منقطعة عن التجدید والتحدیث إذا ما بان له معلومة جدیدة، وهذه قیمة العمل الموسوعی ومیزته، بل یکاد لا یخلو کتاب من أجزاء الموسوعة الأربع والستین التی صدرت حتى الیوم من مستدرکات، فالأداء المعرفی المتین لا یکمن فی التألیف فحسب بل فی قدرة المؤلف على سد الثغرات المعرفیة والفجوات المعلوماتیة، وهذا ما نجده فی هذا الجزء من مستدرکات على الأجزاء السابقة من باب "تاریخ المراقد"، فضلا عن جداول الخطأ والصواب للأجزاء الخمسة الماضیة.

ومثل هذا الجهد المعرفی المتمیز هو الذی یجعل الأب فایز لوقا زعیم الأقباط فی الأراضی المقدسة بفلسطین یثنی على العمل الموسوعی الفرید فی المقدمة الملحقة فی نهایة الکتاب والتی کتبها یوم 26/4/2010م لبیان رأیه فی النهضة الحسینیة ورائدها الإمام الحسین (ع) وانطباعه عن دائرة المعارف الحسینیة ومؤلفها الفقیه الدکتور الشیخ محمد صادق الکرباسی.

یؤکد الأب لوقا مندوب الکنیسة القبطیة المصریة فی فلسطین: (تشرفت بعام 1980م لزیارة الأماکن المقدسة بالعراق وکم شاهدت إخلاص الناس فی انتمائهم إلى الأعتاب المقدسة وتفانیهم فی الإحتفالات وأخص بالذکر یوم عاشوراء ومقتل الحسین علیه لسلام)، ویضیف الأب لوقا الذی یحمل الشهادة الجامعیة (لیسانس قانون) من جامعة عین شمس بالقاهرة، وبکالوریوس فی العلوم اللاهوتیة والإنسانیة: (وکرجل دین قبطی وقانونی أنادی بالحریة وحقوق الإنسان والمساواة وقبول الآخر والتواصل معه والإحترام المتبادل بین جمیع طوائف بنی البشر ذهلت من إخلاص الأخوة الشیعة فی ممارساتهم الروحیة والدینیة لشعائرهم فی ذکرى موتاهم، والتسمیة التی تنم على الإحترام والتقدیر العظیم "الأعتاب المقدسة"، أو العتبات المقدسة "المراقد المقدسة"، من قبیل مرقد الإمام الحسین علیه السلام).

ولأن المراقد المقدسة تعرضت إلى ما تعرضت إلیه المدن من تخریب أثناء الحروب والنزاعات، فإن الأب فایز لوقا یعرب عن أسفه حیث: (رأیت من خلال الجزء السادس من تاریخ المراقد آثار الحرب والدمار بحق الموتى والعتبات المقدسة، وکرجل دین مسیحی لا أؤمن بالحرب بالسلاح والقتال والدمار ولکن أؤمن بالکلمة والموعظة الحسنة ولا زال الله فی یومنا هذا یطلب أبطال إیمان یؤمن بأن الکلمة "حیة وفعالة وأمضى من کل سیف ذی حدین وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والأمخاخ وممیزة أفکار القلب ونیاته"، لتعطی للإنسان الإستنارة لیسلک الطریق القویم طریق الأبرار والصالحین وهذا هو دأبنا کباحثین ورجال فکرة وحضارة ورسالة خالدة).

وهذا ما ینبغی أن یکون علیه المرء فی الحیاة الیومیة، یقرأ الفکرة بروح منفتحة، ویشاهد المعلم التاریخی بعدسة مضیئة، ثم یقبل أو یرفض بعین بصیرة، وهذا خُلُق القرآن: (إِنَّ فِی ذَلِکَ لَذِکْرَى لِمَنْ کَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِیدٌ) سورة ق: 37.