دعم الموسوعة:
Menu

الموال في ولادته وتطوره .. أول دراسة موضوعیة

 

یکتنز نهر الأدب العربي في ضفة الشعر منه، بروائع کثیرة ومتنوعة، تخبرک عن ثراء هذا النهر وقوة جریانه بین أنهر الآداب العالمیة، ویتعاظم هذا الرقی الأدبي مع تشعب فروعه وتشقق قنواته.

ولا یستطیع أحد أن یزاید على شأنیة الشعر العربي، فهو کان یشکل احد الأضلاع الثلاثة التی یقوم علیها مثلث حیاة القبیلة العربیة الى جانب ضلعي رئیس العشیرة وحامل رایة العشیرة، فهذه الأضلاع کانت تسیر معا، وبها تعرف القبیلة والعشیرة صغر عدد أفرادها او کثر، فالشاعر یمثل قوة للعشیرة ویشکل مهابة في وجوه العشائر الأخرى، فهو الى جانب إنشاد الشعر ونظمه خطیب العشیرة ورب السلطة الإعلامیة یدافع عن العشیرة ویکافح عنها، وهذا المثلث لا زال قائما بخاصة في البلدان التي تحتفظ الى یومنا هذا بنمطیة العشیرة وترکیبتها مثل العراق ومصر ودول الخلیج.mawwal-frontcover

وفي العراق، حیث التمسک بأعراف العشیرة ظاهرة قائمة، فان الشعر عندها یشکل احد شرایین هذا النهر الجاری، ولکن الشرایین اتخذت بمرور الزمن اسماءاً مختلفة تبعا لاختلاف نمطیة نظم الشعر، وبخاصة النظم باللغة المحلیة او الدارجة التي تتیح للناظم القدرة على تطویع الکلمة العربیة بعد إخراجها من قیود قواعد اللغة، وهذا ما حمل البعض الى تنظیم معاجم لمفردات اللغة العربیة الدارجة، وقد یصعب إرجاع الکلمة الدارجة الى جذرها العربی إن لم تکن هناک معاجم خاصة.

والموال هو نوع من أنواع الشعر العربی الدارج، وهو فرع من فروع النهر الممتد على طول الساحة الأدبیة العربیة، وهو واحد من إبداعات الأدب الذی یربط بین المفردة العربیة الفصحى والمحلیة، کما فی نشأته الأولى، ثم تطور الى النظم بالدارجة او الفصحى او بالجمع بینهما.

ولکن ما معنى الموال ومن أین جاء هذا الطور من النظم، وما هي البیئة التي نشأ فیها ثم انتقل الیها، ومن هم رواده؟ هذه الأسئلة وأخرى کثیرة یناقشها العلامة الشیخ محمد صادق محمد الکرباسي في المقدمة التي وضعها لدیوان (الموال) الذی تناول فیه في 607 صفحات من القطع الوزیري، ما تم نظمه في الامام الحسین (ع) من شعر الموال، رأى الأدیب والمؤرخ العراقی السید سلمان هادی آل طعمة، ولأهمیة الموضوع الذی قلّما تناوله الأدباء، إعداد المقدمة في طبعة مستقلة تحت عنوان "الموال فی دراسة معمّقة" صدر عن بیت العلم للنابهین في بیروت، في 134 صفحة من القطع المتوسط، وقد: "اجتمعت في هذا الکتاب نفحات آیة الله الشیخ محمد صادق الکرباسي مؤلف الموسوعة الحسینیة الکبرى، ونفحات الأستاذ الجلیل السید سلمان آل طعمة المتعدد المؤلفات والکتابات".

في الواقع أن السید سلمان آل طعمة بحسه الأدبي وجد فی مقدمة دیوان الموال الذی یتحدث فیه المصنف عن الموال بشکل موضوعی عام بحثا لغویا وتاریخیا وعروضیا وجغرافیا، ویتحدث عن أبعاده وتطوره، مستعرضا 149 موالا من نظم 51 شاعراً نظموا فی الامام الحسین (ع)، وجد أنها دراسة استثنائیة، جال قلم الکرباسي في ساحتها وصال.

والموال بفتح المیم وتخفیف الواو او تشدیدها، من أنماط الشعر الذی اختلفت الآراء فی نسبتها ووصلت الى نحو عشرة آراء، وهو ما یبحثه المصنف تحت عنوان "آراء ونظریات"، بقراءة نقدیة وتاریخیة للآراء والنظریات التی تضمنتها کتب الماضین، وقد اشتهر أن الموال یرجع بتاریخه الى العصر العباسی، بخاصة فی عهد هارون بن محمد المهدي العباسي (148-193 هـ) الذی حکم من العام 170 هـ حتى وفاته، وقد حدده البعض بمقتل الوزیر العباسی جعفر بن یحیى البرمکي فی العام 187، حیث رثته إحدى جواریه، وبعضهم یرجعه الى نهایة العصر الأموی، ولکن الثابت أن هذا النمط من الشعر هو من نتاج المدرسة الشعریة العراقیة، ثم انتقل الى باقی البلدان، ووقع الخلاف ما اذا کان واسطی المنشأ او بغدادیا او حویزیا (من مدن ایران العربیة فی الوقت الحاضر)، وقد أعمل المحقق الکرباسی جهده فی مناقشة الآراء کلها مناقشة علمیة وتراثیة، معرجا على بلد المنشأ وتاریخ النشأة والشخصیة المنتسبة الیها والمفردات المستخدمة ولهجة النشأة وبیئتها وأغراضها. کما ناقش المصنف بعض المغالطات التی أوردها بعض الکتاب حین تناولهم لشعر الموال، مستعرضا بعض التعلیقات التی قیلت فی الموال، وخلص الى أن الموال نشأ فی بغداد للرثاء ثم استخدم فی واسط للتسلیة، ثم شاع فی البلدان العربیة وباستخدامات عدة.

والموال کما یقرر المصنف وکما هو الظاهر: "یعتمد بالدرجة الأولى على الجناس، والتوریة فی حالات أخرى، وأقل ترکیبته یکون من أربعة أشطر بشکل عام، ویحتوی بیت الموال على فکرة متکاملة کما هو الحال فی الأبوذیة، ولأجل ذلک جاء المثل الشعبی فلان غنّى مواله، أی أنه أدى ما یرید قوله"، واشتهر فی المدرسة العراقیة احتواء الموال: "على سبعة أشطر کل ثلاثة منها متحدة الجناس، ویطلق على کل ثلاثة أشطر منها بنداً، وأما الشطر السابع فیقال له الربّاط (القفلة) ویتحد الربّاط فی الجناس مع البند الأول دائما کما یتحد مع الشطر الأول من البند فی دخول العلة وعدمها على تفعیلته الأخیرة، ولکن لابد وان یختلف محتوى جناسه عن جناسها رغم اتحاده معها فی اللفظ". وإذا نظم على خمسة اشطر سمی بالمخمس او الأعرج لانفراد الشطر الرابع بقافیة مختلفة، ومثله مثل الانسان الأعرج الذی یختل توازنه عند الحرکة.

والملاحظ فی الموال انه نظم ابتداءاً بالفصحى الملحون ثم نظم بالدارج، وفیما بعد نظم بالفصحى او بالجمع بین الاثنین، ویرد المصنف الکرباسی على قول البعض أن اللحن الذی ورد على لسان جاریة جعفر البرمکی او عموم من نظم فی رثائه، یعود الى عامل الخوف من بطش السلطة العباسیة بعد نکبة البرامکة، والصحیح عنده: "إن اللحن إنما وقع بسبب أنهن کن أعجمیات، کما إن البرامکة أنفسهم کانوا من بلخ" فی أفغانستان، وقد یعود سبب اللحن الى الأمرین الخوف والعجمة. کما رأى المصنف أن شعر الموال خرج من إطار الرثاء الى استخدامات أخرى کالغزل والمدح، وقلّ فی الهجاء، کما إن المصریین طوروا الموال بعد ما ولد وانتشر فی العراق، کما انتشر الى الخلیج عبر الأنباط ومنه الى الشام وغیرها من البلدان العربیة، وقد عرف الموال العراقی بالزهیری: "دون أن یتخلى عن تسمیته بالموال، وأما الموال الشائع فی بلاد الشام الکبرى وشمال أفریقیا فلم یطلق علیه اسم آخر، ولکن عرف عند العراقیین بالنایل". کما إن: "کل قطر من الأقطار العربیة اتخذت لنفسها طابعا معینا، فأبناء مصر وبلاد الشام ینظمونه على أربعة اشطر أو خمسة، والعراقیون ومن فی فلکهم من أبناء الخلیج وعرب الساحل الإیرانی ینظمونه على سبعة أشطر، وأما فی شمال إفریقیة فلم نعرف انتشار الموال فیها ویقال أن هناک ما یشبه الموال ویسمى بالعروبی".

ویستعرض المصنف نصوصا قدیمة من نظم الموال، مبینا التطور الذی حصل فی نظمه على مر العصور فی هذا البلد او ذاک، فیأخذ من الموال العراقی واللبنانی والمصری والسوری والخلیجی، نماذج لبیان أوجه الشبه والاختلاف من حیث عدد الأشطر والمفردات المستخدمة، کما یستعرض نماذج من الموال بالفصحى، من ذلک قول الشاعر اللبنانی جورج رجی:

حُبّی الذی غابَ عن ذکراکَ یهواک

أطلتَ بُعدک أم عاودتَ نجواک

یا من نسیتَ الأمانی أین ألقاک

إنی أضعتُکَ واللوعات إن وُجدت

في الحبیب المُعنّى ما أنا شاک

ویناقش المصنف تحت عنوان "أغراض الموال واستخداماته"، استعمالات الموال فی البلدان العربیة، وتأثر نظم الموال ولحنه وغرضه وطریقة إلقائه بتراث کل بلد وما اشتهر به: "فالخلیجیون مثلاً لارتباطهم بالبحر والغوص والسفینة والتجارة فکثیرا ما یأتی أداؤه بشکل جماعی ویغنى بما یناسب حالهم، بینما استخدمه غیر الخلیجی کالعراقیین مثلاً واخص منهم البغدادیین فی الغزل والمدح، کما استخدمه غیرهم فی الاعتذار والرثاء والشکوى، وغلب فی العراق استخدامه بشکل فردی کما استخدم بشکل جماعی، وشاع استخدامه فی حفلات الفرح ومیادین الریاضة التی کانت تسمى الزورخانة (بیت القوة والمنازلة)، وقد استخدمه المصریون وغیرهم فی المناسبات الدینیة کالمولد النبوی مثلاً، والمصریون بالذات استخدموه أیضا فی الاحتفالات بمولد السیدة زینب (ع)، والاحتفال بذکرى مقدم رأس الامام الحسین (ع) الشریف الى القاهرة".

ویحقق المصنف فی عناوین مستقلة، فی "ترکیبة الموال" و"وزن الموال وزحافاته وعلله" کما یستعرض "فنون من الموال" لشعراء أبدعوا فی مثل هذا النمط من النظم مثل الشاعر العراقی هادی عبد القصاب (1340-1401 هـ)، والشاعر المبدع جابر جلیل الکاظمی، کما أبدع بعضهم فی نظم روضة من الموال وهی قصیدة کاملة یضم کل بیت حرفا من حروف الهجاء العربیة الثمانیة والعشرین الى جانب حرف الجیم المثلثة (چ) والکاف الفارسیة (گ).

وأدرج المصنف فی نهایة المقدمة جدولا معجمیا بأسماء الذین نظموا على الموال بعامة، من الماضین والمعاصرین، وجدولا معجمیا بمن نظم على الموال فی الامام الحسین (ع) بخاصة.

ولما کان أهل مکة أدرى بشعابها، فان الشعراء أدرى بما جاء به الدکتور الشیخ محمد صادق محمد الکرباسی من جدید فی دراسة الشعر بعامة والموال بخاصة، ولذلک یصح من المعد المؤرخ والأدیب والشاعر السید سلمان هادی آل طعمة القول: "وانی أجد الدیوان رغم اختصاصه بریحانة الرسول الأعظم (ص) أول دراسة موضوعیة فی شعر الموال"، ونحن على ذلک من الشاهدین.