دعم الموسوعة:
Menu

العین الباصرة فی المطبوع من الدائرة

مهما تطورت وسائل الإعلام وأدوات الاتصال، فان الکتاب یظل هو المحور فی عالم التألیف والکتابة، وهو المادة الأساس الذی یعود إلیه المرء، والمادة الأساس التی تغذی وسائل الإعلام، فما لا تحفظه ذاکرة الإنسان یقیده الکتاب بین دفتیه، وبالامکان وبحرکة زر خاطئة محو ذاکرة الحاسوب المنقول وغیر المنقول، وتدمیر القرص المدمّج، أو إصبع الذاکرة المتنقل، لکن الکتاب وان کان حاله من حیث الصحة والسقم کحال الإنسان یتعرض لتقلبات المناخ البیئیة والسیاسیة والأمنیة، لکنه فی الأعم الأغلب یظل محافظا على طراوة معلوماته.Eain-albasira-frontcover

وکما ان الکتابة فن ومهارة، فان ملحقات الکتابة والتألیف من قراءة الکتاب وعرضه ونقده وتلخیصه هو فن آخر یقدم للقارئ مادة متجددة من وحی المادة الأم، ویضیف إلیه شیئا جدیدا بخاصة إذا أوقد الناقد أو العارض أو الملخص تنور ذهنه وفکره وأحکم قلمه، لان العرض والتلخیص مهارة وفن، ومن خلال العرض یمکن الحکم على حجم استیعاب مادة الکتاب الأصل ومقدرة المستعرض والملخص فی ضغط أفکار الکتاب کبر حجمه أو قل فی وریقات تتیح للقارئ الوقوف على مادة الکتاب إن عزّ علیه اقتناء أصل الکتاب.

ولأن العرض والتلخیص فضلا عن القراءة النقدیة فن وإبداع، فان عددا غیر قلیل من الجامعات العالمیة تختبر قدرة المتقدم لنیل شهادة فی الدراسات العلیا ومهارته وإمکانیاته العلمیة والتحقیقیة من خلال تلخیص الکتب، فتشترط بعض الجامعات على طالب الدراسات العلیا ان یقوم بتلخیص نحو ثلاثین کتابا فی المادة التی یرید الاجتهاد بها وتقدیم أطروحته ورسالته العلمیة فیها، وعلى ضوء نتائج العرض والتلخیص یتاح له إکمال دراساته العلیا من عدمها، وبعض الجامعات تدعو الطالب الى إعمال عقله فی نقد الکتاب الى جانب العرض والتلخیص.

وعلى منهج العرض والتلخیص لتقدیم مادة جدیدة متجددة للقارئ، صدر للعلامة الشیخ صالح بن محمد الکرباسی عن بیت العلم للنابهین فی بیروت فی 216 صفحة کتاب "العین الباصرة فی المطبوع من الدائرة" یغطی عرضا وتلخیصا 27 مجلدا من مجلدات دائرة المعارف الحسینیة لمؤلفها البحاثة الدکتور محمد صادق محمد الکرباسی الذی برى قلمه وأثقفه لدراسة النهضة الحسینیة من کل جوانبها بحثا وتحقیقا وتنقیبا، وتنظیرا فکریا فی حقول شتى لواقع المجتمعات البشریة ومستقبلها فی بناء الأرض وإعمارها استلهاما من واقعة کربلاء فی العام 61 هـ التی تجسدت فیها کل قیم الخیر والفضیلة فی مواجهة قوى الشر والرذیلة، وعلى شخصیة الإمام الحسین (ع) انعقدت آصرة الموسوعة الحسینیة، وحسبما جاء فی مقدمة الناشر فان: "دائرة المعارف الحسینیة أضخم موسوعة فکریة فی قرننا الحالی، وربما فی القرون السالفة والتی قاربت الستمائة مجلد فی شخص واحد لکنه شخص عظیم فی نسبه وشهادته ومواقفه ومبادئه التی استشهد من أجلها وأهداف نهضته التی بقیت خالدة منذ عام واحد وستین هجریة الى یومنا هذا، وبقیت نهجا ونبراسا لکل المظلومین فی العالم من الموالین له وغیر الموالین" ، ویضیف الناشر: "وبالجمع بین شخصیة فریدة فذة کشخص سماحة آیة الله الشیخ محمد صادق محمد الکرباسی ومؤلَّفِه الفذ الفرید دائرة المعارف الحسینیة، یشرق نجم کبیر فی سمائنا یبهر نوره الناظرین".

• تلبیة فریدة

إذا کان مقتل هابیل على ید أخیه قابیل یشکل أول الخطیئة على وجه الأرض، فإنها تمثل فی حیاة البشریة نواة الصراع الأبدی بین جبهتی الظالم والمظلوم، وفی کل عصر ومصر یتجدد الصراع، ولکن واقعة واحدة تشکل الأبرز فی تاریخ البشریة هی التی تقف على سنام المواجهة الحیة بین قوى النور والظلام، یتمنى کل تواق الى الحریة والسلام أن یکون شاهدها وأحد جنود الخیر فیها، ألا هی واقعة الطف، وحسبما یقول الکاتب والخطیب الشیخ صالح الکرباسی فی تقدمة الکتاب: "ومنذ یوم عاشوراء وحتى یومنا هذا، لا بل ومنذ أن خلق الله آدم (ع) وحتى ظهور الإمام الحجة المهدی (عج) وقیام الساعة یتمنى المؤمنون الصادقون أن لو کانوا مع الحسین (ع) وشهدوا واقعة کربلاء لینصروه ولینصروا مبادئه بکل ما یملکون، لیظفروا بالعز والکرامة والخلود، وأنشودتهم التی یرددونها فی کل عصر وزمان هی: یا لیتنا کنا معکم فنفوز فوزا عظیما".

ومن السهل الإفصاح عن هذه الأمنیة عبر عضلة اللسان، ومن السهل تردید التلبیة: "لبیک داعی الله، إن کان لم یجبک بدنی عند استغاثتک ولسانی عند استنصارک، فقد أجابک قلبی وسمعی وبصری"، ولکن ترجمة هذه الأمنیة وهذه التلبیة الى واقع هو النادر فی عالم الشهود، فالملبون لسانا أکثر من الکثیر والملبون عملا أقل من القلیل، وما أعظم التلبیة عندما تتحول الى سلسلة کتب تؤرخ شخصیة الإمام الحسین ونهضته المبارکة، وتؤسس لعالم یسوده الخیر ویظلله الأمان، ومن هنا فان المؤلف لا یتردد من التأکید أن: "من هؤلاء الموالین المخلصین والأنصار الصادقین – فی عصرنا الحاضر- الذین أثبتوا إخلاصهم وولاءهم التام لأبی الأحرار الإمام الحسین (ع) بعملهم، وجنّدوا کل طاقاتهم لنصرته ونصرة مبادئه الحقّة، هو ابن مدینة الحسین (ع) المحقق العبقری والبحاثة القدیر سماحة آیة الله الشیخ محمد صادق الکرباسی (دام ظله) شقیقی الأعز وأستاذی الأجل صاحب أکبر الموسوعات، تلک التی توّج بها – هذا الجندی المجهول قدراً- أعماله وإنجازاته، وخلّدها بتألیفه المتمیّز لهذه الموسوعة التی تتحدث عن الحسین (ع) خاصة، والتی أدهشت القریب والبعید من العلماء والمفکرین، تلک المسماة بدائرة المعارف الحسینیة".

وهذه التلبیة والأمنیة الخالدة التی ترجمها الدکتور محمد صادق الکرباسی فی دائرة معارف حسینیة فریدة، نضّدها الشیخ صالح الکرباسی فی قصیدة من بحر المبسط، جاء بعض منها مع مطلعها:

أبا علاء أیها الصادق الجسر ** خلّدت ذکراً فی الحضارات یُفتخرُ

کفاک فخراً أن یُرى منک تلبیةً ** لدعوة وجداً بها الروح تنصهرُ

إن لم تکن یوم الوغى حاضرا شرفاً ** فان هذا الیوم لابد تنتصرُ

أطلعت سبطاً للرسالات من قلم ** وجئت بالأسفار ذی ملؤها دُرَرُ

نشرتَ دُرّاً من حسین لدائرة ** معارفٌ منها کما الغیث ینحدرُ

سجّلت فخراً واسعا لا مثیل له ** کمّاً وکیفاً کان هذا هو الظفرُ

• قواسم ومعالم

تعود نشأة دائرة المعارف الحسینیة الى العام 1980م، یومها انبثقت الفکرة فی ذهن المصنف وأخذت تدور فی سواقی ذهنه حتى تجمعت فی خلیج الإرادة فی العام 1987م وبالضبط فی الحادی عشر من شهر محرم للعام 1408 هـ : "إثر تجلی عظمة الإمام أبی عبد الله الحسین (ع) فی حادثة وقعت یوم عاشوراء فی لندن، هزّت مشاعر المؤلف، فعهد مع نفسه أن یُبرز عظمة هذا الإمام الشهید بشکل یلیق بساحته المقدسة"، وکان أول مجلد کتبه بعد سنوات من البحث والتنقیب والتحقیق وتجمیع مادة الموسوعة، هو الجزء الأول من کتاب "الحسین فی السنّة"، لکن أول مجلد خرج من بین عجلة المطابع هو الجزء الأول من کتاب "دیوان القرن الأول" الخاصة بالمنظوم قریضا عن الإمام الحسین (ع) ونهضته المبارکة، وصدر فی العام 1414 هـ (1994م)، وتلته سلسلة کتب فی حقول معرفیة مختلفة صدر منها حتى یومنا هذا 37 مجلدا.

استنتج الکاتب من خلال استعراضه لکتب الموسوعة ثلاثین قاسما ومعلما مشترکا، توقف عند بعضها، ولاحظ ان الدکتور الکرباسی فی کل مجلد جدید: "یستهل بمناجاته الثلاثیة المسجّعة التی ألزم نفسه بها فی کل باب، وحاول أن یکون محتواها واحداً، یترکز على وحدانیة الله والإعتراف بخاتمیة الرسول الأعظم، وبالولاء لأهل بیته المعصومین الأطهار"، فعلى سبیل المثال یستهل المؤلف فی الجزء الأول من دیوان الإمام الحسین بثلاثیة التوحید والنبوة والإمامة:

إلهی إیاک أستمد حیث لطفک الثَّجَج

وبالصلاة على مبعوثک أستهلّ خوض اللجج

ومن آله أستلهم حیث اخترتهم لی نعم الحُجج

ووجد المؤلف ان صاحب الموسوعة: "یسخّر کل مواهبه المعرفیة وإمکاناته العلمیة فی حل النصوص والوقائع ذات الصلة بالمعرفة، لیبسط أمام طلاب المعرفة، ویستنفذ جمیع ما یملک من قوى، مستعینا فی بعض الأحیان بذوی الاختصاص فی شتى العلوم والفنون، ولا ینثنی أمام الشامخات ولا تهوله الودیان المنحدرة، کل ذلک لأنه یؤمن بأن کل ما فی الکون مسخّر لهذا الإنسان الذی یستخدم إرادته فی سبیل استیعاب الحقائق والمعارف". کما اکتشف فی هذه الموسوعة: "ما یمکن أن یسمى نوعا من التطور فی أفق بعض العلوم والفنون، حیث وردت فیها بعض النظریات التی استنتجت من النظریات السابقة، واعتمد على ما أثبته العلم الحدیث، لتکون نظریته مواکبة مع تطور العصر". کما اقتنع ان الموسوعة: "موضوعیة غیر میّالة الى التطرف والانتماء، بل وتطرح المواضیع ذات الصلة بالأدیان على حقیقتها، وتناقشها بروح عالیة، ممزوجة بالشفافیة المعهودة. فعلى سبیل المثال تطرح المسائل الفقهیة مقارنة مع جمیع المذاهب الإسلامیة ذات الوجود الخارجی، کما طرحت فی مقدمة کتاب الحسین والتشریع حدیثا مجملا عن الشرائع السماویة والفلسفات المطروحة على أرض الواقع وباحترام"، فتعرض مؤلف الموسوعة بشیء من التفصیل الى الأدیان السماویة والى الرأسمالیة والاشتراکیة.

ویستعرض الکتاب وبتلخیص مفید المجلدات التالیة: الجزء الأول والثانی من السیرة الحسینیة، الجزء الأول من دیوان الإمام الحسین، الجزء الأول والثانی من تاریخ المراقد، الجزء الأول من معجم المصنفات الحسینیة، الجزء الأول من معجم خطباء المنبر الحسینی، الجزء الأول من الحسین والتشریع الإٍسلامی، الجزء الأول من المدخل الى الشعر الحسینی، الجزء الأول والثانی من دیوان القرن الأول الهجری، دیوان القرن الثانی، دیوان القرن الثالث، الجزء الأول والثانی من دیوان القرن الرابع، دیوان القرن الخامس، دیوان القرن السادس، دیوان القرن السابع، دیوان القرن الثامن، دیوان القرن التاسع، الجزء الأول من معجم الشعراء الناظمین فی الحسین، الجزء الأول من الرؤیا .. مشاهدات وتأویل، أربعة أجزاء من دیوان الأبوذیة، ودیوان الموال (الزهیری).

وحیث یقدم المؤلف فی کتاب "العیون الباصرة.." بما یشبه الأرشفة المعرفیة لکل مجلد، فانه یوقف القارئ فی مقدمة کل عرض وتلخیص، على الظروف التی اکتنفت المؤلف حین تسوید کل مجلد حتى صدوره بحلته القشیبة، مما یضع القارئ على جانب بسیط من معاناة التألیف، وبخاصة فی زمن تبسط الأیادی کل البسط عند صغائر الأمور وتُضم کل الضم عند العظائم، فتضیع العلوم والمعارف، کما ضاعت من قبل مکتبات واندثرت مراجع!