دعم الموسوعة:
Menu

الخطابة فی واقعها القدیم والحدیث.. حضور متجدد

 

مرت وسائل الأعلام بتطورات جمة من حیث الوسیلة والأسلوب، تزامنت طردیا مع تطور المجتمعات البشریة، وکان لوسیلة الاتصال الأثر الکبیر، فی جعل الکرة الأرضیة حارة وزقاق یعرف من یعیش فی أقصى الزقاق ما یحل بصاحبه فی أدناه، ولم تعد مقولة (القریة الکونیة) ((global villageالتی قال بها الکاتب الکندی البریطانی الجنسیة(wyndham lewis) (1882-1957م)، فی کتابه(america and cosmic man)، الصادر فی العام 1948م، قابلة للهضم المعرفی، کما لم یعد مقبولا المقولة نفسها التی قال بها الأکادیمی الکندی(herbert marshall mcluhan) (1911-1980م) فی کتابه(the gutenberg galaxy: the making of typographical man)، الصادر فی العام 1962، فی وصف تأثیر عالم الاتصالات على تقریب المسافات، نظرا للقفزات الکبیرة التی شهدها عالم الاتصالات والإعلام، وبالقطع سیشهد العالم بعد فترة قصیرة نقلة کبیرة فی عالم الاتصالات یجعل من الکرة الأرضیة بیتا واحدا ولیس زقاقا، أی بیتا عالمیا کونیا(global house)خارجا من إطار الحارة الکونیة(global avenue)، الذی هو علیه الیوم.Khitaba-frontcover

ولأن القفزات سریعة وکبیرة، فان بعض وسائل الاتصال أصبحت من الماضی مثل (التلغراف)، لا یستعمل إلا فی حدود ضیقة جدا، وبعضها فی طریقها لان تصبح من الماضی رغم حداثة اکتشافها مثل (الفاکس)، وبعض وسائل الإعلام صار حالها حال الانسان تتطور من جیل الى آخر، فیقال هذه الآلة أو البرنامج من الجیل الأول أو الثانی أو الثالث، مثل برامج الحاسوب (الکمبیوتر).

ولکن رغم التطور العلمی، فان أدوات إعلامیة ووسائل اتصال، تعاملت معها البشریة منذ القدم، حافظت الى یومنا هذا على بریقها ودورها الفاعل فی عالم الإعلام، من أبرزها (الخطابة) التی بقیت رغم المنافسة الشدیدة، الأسلوب التی لا یستغنى عنه مهما تنوعت وسائل الإعلام والاتصال، بوصفها الخامة الأولى لکل النتاج الإعلامی، کان ولا زال.

هذه الحقیقة أدرکها صاحب دائرة المعارف الحسینیة، آیة الله الشیخ محمد صادق محمد الکرباسی، فقیّدها فی دراسة مفصلة، جعلها مقدمة تمهیدیة لمجلد معجم خطباء المنبر الحسینی، الذی صدر فی العام 1420هـ (1999م)، فی لندن، عن المرکز الحسینی للدراسات، فی 540 صفحة من القطع الوزیری، کواحد من 600 مجلد، بدأت ترى النور منذ العام 1987، تحقق فی نهضة الامام الحسین، فی أکثر من ستین بابا، ومئات العناوین الرئیسة، وآلاف العناوین الفرعیة، وقد وجد رئیس محکمة الاستئناف العلیا الشرعیة الجعفریة فی العاصمة البحرینیة المنامة، العلامة الشیخ حمید بن ابراهیم المبارک، أن الدراسة تستحق إخراجها فی إصدار مستقل، کیف لا؟ والموسوعة کما یراها القاضی المبارک: "أصبحت مرجعا فی هذا الباب لا على مستوى الشرق وأعلامه فحسب بل على مستوى الغرب وأعلامه کذلک"، فکان أن أعدَّ کتاب "الخطابة فی دراسة نوعیة شاملة لآیة الله الکرباسی"، فی 256 صفحة من القطع المتوسط، صادر فی بیروت عن بیت العلم للنابهین، صدّره بمقدمة تحت عنوان "المنبر الحسینی الى أین"، انتقد فیه حال المنبر الحسینی بوصفه أصدق مصادیق الخطابة، بلحاظ أن عطاء المنبر الحسینی فی الوقت الحاضر لا: "یتقارب مع مقدار ما یسخّر له من طاقات، فالبون بینهما شاسع والمسافة کبیرة"، فالمجالس عبارة عن مکررات، کما: "أصبحت المحاضرات على المنابر الحسینیة فی الغالب أشبه بالشعر الحماسی الذی ینفذ الى الأحاسیس لکنه لا یلامس الأذهان ولا یثیر دفائن العقول، وحتى لو حاول الخطیب أن یخرج عن المحفوظ المکرر فانه یبقى فی مستوى الضفاف أو قریبا من ذلک" وهذا التکرار أشبه بالتکرار التی تشهده خطب صلوات الجمعة فی البلد الواحد وربما فی بلدان عدة، وفی جمعة واحدة.

لکن القاضی حمید المبارک، رغم انتقاده للخطاب المرفوع من على المنابر، فانه یرى أن الخطابة والفقاهة عدلان لا یفترقان فی خدمة الدین وأهله، لخطورتهما على حد سواء، ومن هنا: "یتبین ما للخطابة من دور عظیم لا یستهان به، فإذا کان الفقیه هو العقل المدبر للنهضة الدینیة، فالخطیب هو لسانها، فإذا کانت المرجعیة مؤسسة تشریعیة فالخطابة مؤسستها الإعلامیة".

یتعرض الشیخ الکرباسی الى تعریف "الخطابة"، کما هو دیدنه فی کل مصنفاته التی دأب فیها على تعریف ما یرد من مصطلحات، باعتبار أن التعریف أسلوب أکادیمی علمی وبوابة الى فهم الموضوع، فیرى بعد أن استعرض عددا من التعریفات، أن الخطابة بوصفها من الفنون، تعنی قدرة التکلم مع الناس بشکل یفی بالغرض المطلوب، وکل خطبة منتصبة على ثلاثة قوائم: الخطیب، الجمهور، والمادة، وهو ما ذهب الیه من قبل، الفیلسوف الیونانی، أرسطوطالیس(aristotle’s) (384-322ق م) عندما حدد عناصر الخطابة بالخطیب والموضوع والسامع.

ولما کان لفظ "المنبر" کما یراه المصنف مفردة عربیة، لصیقة بالخطیب کمرقى، فانه تعرض الى تعریفها وشرحها، وبیان تاریخ النشأة، وبخاصة فی العهد الاسلامی الأول.

وتحت عنوان: "تاریخ الخطابة"، وصف المصنف الخطابة کونها أقدم من الشعر، وحسب تعبیر الأکادیمی المصری الراحل، الدکتور احمد محمد الحوفی فی کتاب فن الخطابة: 41: "لقد حفظها خط آشور المسماری، وقیدها خط الفراعنة الهیروغلیفی، ثم رواها تاریخ الیونان السیاسی والأدبی منذ القرن السابع قبل المیلاد، وبها أخضع بوذا (563-483 ق.م) الجموع الهندیة لتعالیمه، وکان لها مکانها العظیم فی مجامع العرب قبل الإسلام، وفی أسواقهم الأدبیة بنوع خاص"، على أن کتب التاریخ تنسب الى النبی آدم (ع) أنه أول من أنشأ الشعر، وذلک عندما علم بمقتل ابنه هابیل، فأنشد:

تغیرت البلاد ومن علیها               ووجه الأرض مغبر قبیح

فها أنا بعدما هابیل و أمسى             قتیلا لا السقیم و لا الصحیح

تغیر کل ذی طعم و لون               و قل بشاشة وجه صبیح

ولأن الخطابة تمتلک حین المخاطبة، خصوصیة متمیزة وأهمیة کبرى، فانه: "فی الإسلام تنوعت الأغراض، وقد استعملها الرسول (ص) فی الدعوة الى الدین وفی المناسبات الاسلامیة العامة والدینیة الخاصة، ولأهمیة الخطبة فقد جعلها الإسلام جزءاً من العبادة فی بعض الموارد وصبغها صبغة الوجوب کخطبة الجمعة والعیدین، ولهذا أصبحت الخطبة فی الإسلام ممیزة، وازدهرت أکثر من الشعر وأصبح لها شأن هام فی مجالات العمل الاسلامی بل وسائر المجالات"، ویرجع ابن رشیق أبو علی الحسن القیروانی (1000-1071م) فی کتاب العمدة:1/66 ذلک الى: "إن الخطابة فی عصر الدعوة صارت فوق الشعر لان الشعر اتجر به وأصبح مکسبا للشاعر، فلذلک أصبحت منزلة الخطیب أرفع من منزلة الشاعر فی تخلید المآثر وحمایة العشیرة". ولهذا اشتهر القادة فی العصر الاسلامی الأول بحسن الخطابة، وکما یقول المؤرخ اللبنانی الدکتور عمر فروخ (1906-1987م) فی کتابه تاریخ الأدب العربی: 1/256: "فکان الرسول (ص) والخلفاء الراشدون وأمراء الجیوش وولاة الأمصار والقضاة من الخطباء ضرورة، غیر أن بعضهم کان أخطب من بعض، فعلی بن أبی طالب کان خطیبا موهوبا فوق عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب، ولا غرو فکلام علی یأتی فی مراتب البلاغة بعد القرآن والحدیث"، وقراءة الدکتور فروخ الفاحصة، تعود بجذورها الى قول الامام علی (ع) فی النبی محمد (ص) وأهل بیته (ع): (وإنا لأمراء الکلام وفینا تنشّبت عروقه وعلینا تهدّلت غصونه).

وبعد أن یورد المصنف جملة من خطب قادة الإسلام، یفصّل القول فی موضوع "الخطابة الحسینیة ومراحل تطورها"، فیؤسس للخطابة الحسینیة ومراحلها التی عدّها سبع مراحل. تبدأ المرحلة الأولى مع استشهاد الامام الحسین بن علی (ع) فی کربلاء المقدسة فی العاشر من شهر محرم الحرام العام 61 هجریة، وکان رائد الخطابة فی هذه المرحلة الامام السجاد علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب (27-95هـ)، وهو أول من أسس لها وأصّلها، ومن النساء السیدة زینب بنت علی بن أبی طالب (6-62هـ)، والسیدة أم کلثوم بنت علی بن أبی طالب (9-61هـ)، والسیدة فاطمة بنت الحسین بن علی بن أبی طالب (51-117هـ)، حیث کانت خطاباتهم فی الفترة التأسیسیة: "تطیر بسرعة فائقة فی آفاق البلاد الاسلامیة بجناحین: جناح العطف والتظلم وجناح فضح الظلم والظالم، بهذا الشکل تأسس جهاز الإعلام الحسینی"، وفی الفترة الانتقالیة من المرحلة الأولى انعقدت رابطة قویة: "بین الخطابة الحسینیة والمجالس الحسینیة، فمتى ما انعقدت المجالس تواجدت الخطابة وکان المؤسس لهذه المجالس فی الفترة التأسیسیة والخطیب متحدین"، وفی هذه الفترة: "انضم الرثاء المنظوم الى الرثاء المنثور لیشکل ظاهرة جدیدة فی الخطابة الحسینیة"، وفی هذه الفترة ظهرت جماعة المنشدین والنائحین، وبإزائهم ظهر عدد من الخطباء المحدثین والقصّاصین والنادبین، وتأسیسا على ذلک: "ربما تمکنا من القول بأن نواة الخطابة التقلیدیة نشأت فی هذه الفترة". وفی الفترة الثالثة، وعلى عهد الحکم العباسی اصیبت الخطابة الحسینیة بنکسة نتیجة لقیام خلفاء بنی العباس باضطهاد أئمة أهل البیت (ع).

وتبدأ المرحلة الثانیة بغیبة الأمام المهدی المنتظر (ولد 255هـ) فی العام 329 هجریة، وقد مهدت دولة المهدی الفاطمی فی تونس، ودولة الأدارسة بالمغرب، والدولة العلویة بطبرستان، والدولة الحمدانیة فی سوریا، الأرضیة لنمو وتطور الخطابة.

وتبدأ المرحلة الثالثة من أوائل القرن السابع الهجری وتنتهی فی أواخر القرن التاسع منه، وفیها: "ظلت الخطابة الحسینیة بین مدّ وجزر تبعا لسیاسة النظام الحاکم فی هذه المنطقة أو تلک" حیث کانت تدول دولة وتقوم أختها مکانها، ولکن ما یلفت النظر: "إن الخطابة الحسینیة فی هذه المرحلة تطورت من ناحیة أخرى وهی أنها عقدت فی بیوت الموالین وتوسعت رقعتها جغرافیا، ویعد هذا أول عهدها بالبیوت".

وتبدأ المرحلة الرابعة من أوائل القرن العاشر الهجری أو قبله بقلیل وتنتهی تقریبا فی القرن الثالث عشر الهجری، حیث عمد عدد من الخطباء الى وضع کتب للخطباء یقرأون منه وعلیه، لسد النقص فی عدد الخطباء ولمواکبة الازدیاد فی عدد مجالس الخطابة الحسینیة، فکان کتاب "روضة الشهداء" للکاشفی (ت 910هـ) و"المنتخب" للطریحی (979-1085هـ)، وغیرهما. وفی هذه المرحلة تطورت الخطابة على ید الخطیب السید حسن آل طعمة الحائری (ت 1270هـ)، من القراءة على الکتاب الى القراءة عن ظهر قلب.

وتبدأ المرحلة الخامسة من منتصف القرن الثالث عشر الهجری وتنتهی بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجری، وراح الخطباء فی هذه المرحلة التی شهدت حرکة الاستعمار الأوروبی للبلدان العربیة والإسلامیة، بالتعرض الى المسائل السیاسیة والحیاتیة الیومیة، ومناقشة الأفکار الغریبة والواردة، وکان من رواد هذه المرحلة الشیخ کاظم السبتی (ت 1342هـ)، وهو الذی أحدث فن الربط بین الموضوع الذی یبدأ به الخطیب وبین المراثی الحسینیة والمسمى بالگریز.

وعلى غرار معاهد الخطابة التی اشتهر بها الأزهر والزیتونة، فان معاهد خاصة بالخطابة الحسینیة، انشأت فی عدد من البلدان الاسلامیة، مثل مدرسة الواعظین فی مدینة لکهنو الهندیة على ید السید نجم الحسن الرضوی (1279-1357هـ)، ومدرسة الواعظین فی لاهور الباکستانیة فی العام 1370هـ على ید السید مرتضى حسین اللکهنوی (1341-1407هـ) والشیخ یوسف حسین اللکهنوی (1319-1408هـ)، ومدرسة الکتاب والعترة فی کربلاء المقدسة فی العام 1381هـ على ید الفقیه السید محمد الشیرازی (1347-1422هـ)، ومعهد الخطابة فی النجف الأشرف على ید الشیخ محمد رضا المظفر (1322-1390هـ) ومؤازرة الشیخ محمد شیخ الشریعة (1322-1398هـ).

وتبدأ المرحلة السادسة من بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجری، حیث الحقبة الزمنیة التی بدأت فیها الأوطان الاسلامیة تستقل عن الاستعمار الغربی، وفیها تصدى الخطباء للأفکار الهدامة التی خلفها الاستعمار، وفی هذه المرحلة: "بل منذ بدایة المرحلة السابقة بدأت الخطابة الحسینیة تتجه نحو العمق الفکری والممارسة السیاسیة کما کانت على عهدها الأول فی مرحلة الإنشاء"، ومن روادها السید صالح الحلی (ت 1359هـ)، وخطیب ثورة العشرین بالضد من الاستعمار البریطانی للعراق فی العام 1920م، الشیخ محسن أبو الحب الصغیر (ت 1369هـ)، والشیخ أحمد الکافی (ت 1398هـ) فی ایران، الذی استخدم المنبر لمهاجمة سیاسة نظام الشاه الذی فتح الباب أمام التیارات العقائدیة والفکریة المضادة للإٍسلام.

والمرحلة السابعة والأخیرة، فهی مرحلة مستقبلیة: "یفرضها التطور العام فی کل مرافق الحیاة والتی لابد وأن تلبی حاجة المجتمعات المختلفة والشرائح المتنوعة من کافة طبقات الناس"، ویأمل المصنف أن یتحول مشروع الخطابة الى مؤسسة عالمیة تتحقق فیه عناصر: التخصص والإقناع العلمی والتطبیق العملی، واللغة، والوسائل الحدیثة.

وحتى یُعجم الحروف المهملة بالنقاط، فان المصنف وضع برنامجا لتأسیس نقابة عالمیة للخطباء والمبلغین تقوم على عاتقها بمأسَسَة الخطابة، ورعایة الخطباء فی حیاتهم وبعدها، مهد له بعدد من الاجتماعات المستفیضة مع عدد من رواد المنبر الحسینی من جنسیات مختلفة، جرت فی لندن، وقفت علیها ودونت محاضرها، ولو شاء للبرنامج أن یأخذ طریقه الى محیط التطبیق، لشهدنا نقلة نوعیة فی عالم الإرشاد والتبلیغ الاسلامی.

ویتطرق المصنف فی عناوین مختلفة الى: "التفنن فی الخطابة" بحیث یکون الخطیب مفوها یجذب الیه قلوب الناس وعقولهم. ویتحدث عن: "الخطابة ودورها الإعلامی" مشیرا الى الإعلام فی العصر الیونانی ودور أفلاطون(platon) (427-347ق.م) وسقراط(socrates) (470-399ق.م)، ومن ثم دور العرب فی سوق عکاظ، ودور الخطابة فی العهد الاسلامی وفی أوروبا القدیمة والحدیثة. ویستفیض المصنف فی بیان نشأة وسائل الإعلام والمخاطبة من إذاعة وتلفزیون وقنوات فضائیة. ویشیر الى: "دور الخطباء فی التبشیر" وفاعلیتهم فی تبصیر الناس حول حقیقة الإسلام وأهل بیت النبوة، مشیرا الى ما ترکته مجالس الإرشاد الحسینیة من تأثیر بین العشائر العراقیة السنیة والشیعیة. ویتحدث عن: "مسؤولیة الخطیب وموقعه"، وما ینبغی علیه من قوله للناس. ویتحدث عن: "مکانة الخطیب"، التی ینبغی أن لا تضیع بعدم مراعاة الخطیب لمجلسه الخطابی ومستمعیه. ویتحدث عن: "أصناف الخطباء"، فیقسمهم الى: الخطیب المثالی، والخطیب المأجور، والخطیب المرائی، والخطیب المهنی، والخطیب التبرکی (من البرکة)، واضعا بعض الأسس فی کیفیة: "التعامل مع الخطیب". ویتحدث عن: "المخاطَب" الذی یرتاد مجلس الخطابة، فهو إما: عالم ربانی أو رجل متعلم، أو امرؤ معتاد، أو إنسان مغرور، أو شخص ناقد. ویتحدث عن: "الأجواء الخطابیة" التی تقام فیها مجالس الخطابة، وهی إما: مناخ طبیعی تتوفر فیه الحریة والأمن، أو مناخ تعسفی تخلو من الحریات، أو مناخ مقید، أو مناخ استثنائی تفرضها الأزمات، أو مناخ أجنبی خارج دائرة العالم الاسلامی، حیث ینبغی على الخطیب مراعاة الجو العام فی کل بلد من هذه البلدان. ویتطرق الى: "المادة الخطابیة" بوصفها من أرکان الخطابة، حیث یعتبر القرآن الکریم، المادة الأولى للخطیب المسلم، تلیها السنة الشریفة، ومن ثم الحوادث الواقعة، وسیرة الأنبیاء والأئمة والأولیاء، وأخیرا الأدب. ویتحدث عن العلاقة بین: "العلم والخطابة"، منتقدا الفوارق التی أوجدها البعض بین الخطیب والعالم، على أنهما صنفان، مع أنهما یمتحان من مصادر مشترکة.

وفی عناوین مستقلة، یتحدث المصنف عن: "الخطیب الحسینی" و"مواصفات الخطیب الحسینی" التی تدور فی فلک المؤهلات الجسمیة والنفسیة والممارسة العملیة والتحصیل العلمی، ویشدد المصنف على أن تکون اللغة العربیة هی الأساس فی التعلیم والتعلم، لیکون الخطیب من أیة لغة کانت، قادرا على تطویع اللغة العربیة فی خطاباته، لاستئناس المستمعین للنصوص بلغتها الأم، ومن جملة المواصفات: الإیمان والعمل والتقوى والإخلاص والأسلوب والأخلاق والصفاء والتواضع والأمانة والصبر والشجاعة. کما تحدث فی: "الخطیب ومرادفاته" عن مرادفات کلمة الخطیب، من قبیل الواعظ والمرشد والذاکر والمبلّغ والمدّاح، وغیرها.

ورأى الشیخ الکرباسی فی: "نوعیة الخطابة" على خلاف ما یرى الخطیب الراحل الدکتور أحمد الوائلی (1927-2003م)، إن السیاسة هی من صلب الخطیب والخطابة ولا مجال: "لإبعاد السیاسة عن المنبر الحسینی بحجة أن السیاسة لابد لها من اختصاص وهذا خارج عن اختصاص الخطباء"، ذلک: "إن حکم السیاسة حکم سائر العلوم التی لابد للخطیب أن یکتسبها حتى یمکنه توعیة الناس سیاسیا فیما اذا احتاجت الأمة الى ذلک" ویؤیده القاضی المبارک فی ذلک، حیث: "بدأ المنبر الحسینی سیاسیا حین استخدمه الامام الحسین (ع) والسیدة زینب (ع) وسیبقى یحافظ على نمطه ما وجد فی ذلک ضرورة".

وتحت عنوان "الوسائل التطبیقیة"، یشیر الکتاب الى مجموعة وسائل تطبیقیة ذکرها الخطیب والباحث الامیرکی دیل کارنیجی(dale carnegie) (1988-1955م)، فی کتابه (الخطابة)، مع ذکر توصیات عدد من المختصین فی مجال فن الخطابة.

وحتى یتکامل موضوع الخطابة، فان المصنف فصّل القول فی زی الخطیب، وشفّعه بصور توضیحیة. وشدّد فی: "لغة الخطیب" على أن تکون اللغة العربیة هی المحور، بخاصة فی نقل الآیات القرآنیة، إذ أن الترجمة لا تفی بالغرض، لان القرآن فیه ظاهر وباطن وتفسیر وتأویل، وکذا الحال مع الأحادیث الشریفة.

وأفرد المصنف فی: "آراء حول الخطابة والخطیب" مجموعة من أقوال المختصین حول موضوع الخطابة الحسینیة، باعتبار أن التبلیغ والإرشاد من عمل الأنبیاء والرسل، وبلحاظ: "أن الخطابة الباب المشرع لدخول القلوب والعقول" کما یؤکد المعد. ویعدّد المصنف فی: "إحیاء المجالس الحسینیة" الأیام والمناسبات التی اعتاد المؤمنون فیها إقامة مجالس الخطابة، ناهیک عن شهری محرم وصفر. ویقسم فی: "طبقات الخطباء" درجات الخطباء بلحاظ قربهم وبعدهم من فن الخطابة وأصولها، الى ثلاث درجات: الطبقة المتقدمة ویشکلون حسب إحصائیات المصنف نحو 10 فی المائة، والطبقة المتوسطة، ویشکلون نحو 75 فی المائة، والطبقة البدائیة، ویشکلون نحو 15 فی المائة. والى جانب هذه الطبقات الثلاث من الخطباء، هناک: "المنشد والرادود. وینقل المصنف فی: "شکوى"، وهو العنوان الأخیر من عناوین الکتاب، شکوى طبقات من المجتمعات من أداء عدد من الخطباء الذین یسیئون استخدام أعواد المنبر، وابتعادهم عن مواکبة تطورات الحیاة، وعدم مراعاتهم لاحتیاجات المحیط الاجتماعی الذی یعملون فیه.

والکتاب فی حقیقة الأمر، یصلح على ما فیه من تفاصیل وتفریعات، أن یکون منهاج دراسة وعمل للخطابة والتبلیغ والإرشاد فی المعاهد العلمیة والدینیة وکلیات الشریعة.